مع غياب البرامج الوقائية والتشاركية.. الدور المحوري للمجتمع المحلي في إطفاء الحرائق
البعث الأسبوعية – مروان حويجة
أظهرت الحرائق الكارثية التي التهمت مساحات واسعة من غابات اللاذقية وغطائها الحراجي الأخضر أنّ حلقة الوقاية الممثلة في مسبّبات نشوب الحرائق واندلاعها لاتزال الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة ،وهذا الضعف المزمن يبقي ثروتنا الحراجية – التي لا تقدّر بثمن – في مهبّ النيران المحدقة بها من كلّ حدبٍ وصوب لتكون الحصيلة كارثة بيئية واقتصادية تتجدد فصولها وحلقاتها.
درسً مكرور
ومع الإجماع على أن حماية هذه الثروة الوطنية وتفادي شبح الحرائق جاء حرائق ريف اللاذقية الشمالي ليقدم – للأسف – درساً مريراً مكروراً عن هذه الحقيقة بدليل أنها استغرقت ستة أيام متعاقبة بنهاراتها وليايها ،وتطلب زجّاً غير مسبوق لوسائط وقوى وفرق منظومة الإطفاء في المحافظات والوزارات والجهات العامة مع مشاركة المجتمع الأهلي والمحلي ، وهنا يعود إلى الواجهة مجدداً السؤال المكرور مراراً عبر سنوات وسنوات : أين برامج العمل الوقائية التشاركية المنوطة بكل الوزارات والمؤسسات والفعاليات الأهلية المحلية ؟ سؤال يتم التعاطي مع الإجابة عليه – للأسف- بمنطق تنظيري صوري ،لأنه لو كانت هذه التشاركية محقّقة بالحدّ الأدنى الممكن لما كانت تستفحل النيران بهذا الشكل المرعب ،وكانت غاباتنا في أمان وبمنأى عن التعديات والمسبّبات بوجود جهد تشاركي مع المجتمع الأهلي المحلي الذي لن يدّخر جهداً في صون ورعاية الغطاء الحراجي جنباً إلى جنب مع الجهات العامة ضمن خطة عمل ممنهجة تتخطى حدود المبادرات .
أصعب العمليات
وفي تقييم حرائق الريف الشمالي فقد وصف مدير زراعة اللاذقية المهندس باسم دوبا عمليات إخمادها في هذه المنطقة من أصعب العمليات على الإطلاق، حيث تعدّ غابات منطقة جبال الباير من الغابات عالية الكثافة، وهي غابات صنوبرية طبيعية تتميز بطبقتين، الغابة الشجرية وطبقة تحت الغابة وهي طبقة كثيفة قابلة للاشتعال، وفي حال اشتعال النيران فإنها تتحول إلى كتلة نار هائلة جداً وتتسبب بأعمدة كبيرة من السحب والدخان وتطاير الجمرات إلى مسافات بعيدة تصل إلى حوالي 500 متر، ومع اشتداد الرياح تزداد قوة النيران وانتشارها ،ولفت إلى مشاركة عدد كبير من فرق الإطفاء في عمليات الإخماد من الدفاع المدني والزراعة وأفواج الإطفاء من عدة محافظات تؤازرها وحدات الجيش العربي السوري.
مساهمة الفلاحين
رئيس اتحاد فلاحي محافظة اللاذقية أديب محفوض أوضح أنّ الفلاحين في مناطق الحرائق عملوا ما بوسعهم وقصارى جهدهم لمنع وصول الحرائق إلى منازلهم وأراضيهم ومحاصيلهم ، وقد ساهم العمل الوقائي الذي قاموا به في منع وصول النيران إلى منازلهم ، وأمّا بالنسبة للأضرار الزراعية فقد طالت أراض زراعية ولاسيما أشجار الزيتون وبعض المعدّات الزراعية كالخراطيم ومستلزمات زراعية وتوصيلات الإبار الارتوازية وغيرها ، ورأى أنّ شدة هذه الحرائق وقوتها كانت أكبر من أي إمكانية تتيح للفلاحين في المشاركة الميدانية بجهود الإطفاء ، ومع ذلك كان للمنظمة الفلاحية من خلال الرابطة والجمعيات في القرى المتضررة وبإشراف الاتحاد العام للفلاحين في تقديم وجبات غذائية ومياه باردة وخدمات رديفة لفرق وكوادر الإطفاء ، ولفت إلى صدور قرار من الرفيق محافظ اللاذقية يقضي بتشكيل لجنة لجرد الأضرار الناجمة عن الحرائق التي نشبت ، وبموجب القرار يتم تشكيل لجان فرعية في المجالس المحلية للمناطق المتضررة ويرأس اللجان رئيس الوحدة الإدارية، وتضم في عضويتها مختار القرية ورئيسي الوحدة الإرشادية والجمعية الفلاحية، وممثلين عن دائرة الحراج ومديرية المصالح العقارية والوحدة الشرطية في الناحية المعنية.
وذلك للكشف على الأضرار، سواء في الأراضي والمعدّات والآليات الزراعية أو الثروة الحيوانية أو العقارات السكنية أو الأثاث أو الأبنية الزراعية المتواجدة في مناطق الحرائق .
خطوط متوازية
وسألنا الدكتور أسامة رضوان – رئيس قسم الحراج والغابات في كلية الزراعة بجامعة تشرين عن دور المجتمع المحلي فأكّد أنّه دور محوري في حماية الغطاء الحراجي ، ويعوّل د.رضوان على هذا الدور كثيراً ولكن بعد إنجاز الإجراءات والخطوات التشاركية معه ، ولفت إلى أن الوقاية تتحقق من خلال عدة خطوط متوازية مع بعضها بآن معاً وتتمثل في توفير وتعزيز كل خطوة وقائية ليس أقلها الوصول الفعلي إلى الوعي الذاتي والمجتمعي بقيمة الغابة والشجرة والعطاء الأخضر ،وهذا له برامج عمل متكاملة ومستمرة تتشارك فيه جميع الجهات ، وضرورة توفير المناهل المائية في المواقع الحراجية ومناطق انتشار الغابات لتأمين المياة بوقت قياسي وبما يسمح إيصالها إلى موقع الحريق ، وهناك خطوط النار ، وأمّا العامل الوقائي الأهم – برأي د.رضوان – فيتمثل في إشراك المجتمع المحلي كون الجار الأقرب للغابة المتواجد بشكل دائم ، وعندما يصبح شريكاً حقيقياً سيكون حامياً للغابة ،ولو اقتضى الأمر أن يكون له مردود ومنفعة بصيغة مدروسة ، وهذه العلاقة أفضل بكثير جداً من بقاله حيادياً وبعيداً عن الغابة ، وأشار إلى ضرورة اعتماد التشريعات التي تدعم وتحفّز العمل الجماعي التشاركي في صون الغابة والحفاظ عليها .
منظومة متكاملة
من جهته الأستاذ الدكتور عماد قبيلي / أستاذ التشجير الحراجي فيؤكد على تكريس منظومة تربوية تعليمية متكاملة تعزّز عند الفرد وفي المجتمع أهمية وقيمة الشجرة وآثارها وفوائدها ودلالة وجودها ، مبيّناً أنّ كل الإجراءات يمكن أن تخفّف من التعديات والمخاطر إلى حدّ معيّن ،أمّا الحلقة الأهم فتتجلى وتتركز في إيجاد ثقافة تربوية واجتماعية عامة حول ضرورة الحفاظ على الغطاء الأخضر وتضافر جهود الجميع لحمايته ، وفي ظلّ الخطر الداهم المتربّص بغاباتنا من الحرائق فإنّ الرهان يبقى على النأي بها من الأخطار المحدقة بها وما أكثرها ليكون التعويل على الجانب الوقائي والوعي البيئي والنهج التشاركي ولكن تبقى العبرة دائماً
في التنفيذ وجدوى التطبيق ومدى التحقيق الفعلي الملموس للجانب الوقائي .