السوريون بين نارين :لهيب الأسعار وسعير الغابات.. بانتظار حلول السماء!
البعث الأسبوعية – غسان فطوم:
منظر يدمي القلوب ونحن نشاهد ألسنة النار تلتهم أجمل المساحات الخضراء في المناطق الساحلية، غابات عمرها من عمر هذه الأرض الطيبة أصبحت رماد بعد أن كانت يانعة بالخضرة على مد النظر.
للأسف هي حكاية بفصول مأساوية تتكرر كل صيف، إذ نادراً ما يمرّ عام إلا ونشهد فيه حرائق في مختلف أنحاء البلاد أكثرها في محافظتي اللاذقية وطرطوس وفي الريف الغربي لمحافظة حمص وكذلك في منطقتي الغاب ومصياف بمحافظة حماة، وبمجملها هي مناطق حراجية وزراعية متنوعة وخاصة الأشجار المثمرة وأكثرها الزيتون والتفاح والمشمش والدراق وغيرها..
لا حول ولا قوة
لا ننكر أن هناك أسباب طبيعية لا حول ولا قوة لنا فيها تسببت في جزء كبير من الحرائق نتيجة ارتفاع الحرارة خلال الفترة الماضية، حيث تجاوزت معدلاتها بنحو 3 إلى 7 درجات مئوية في أغلب المناطق، نتيجة تأثر البلاد بامتداد للمنخفض الموسمي الهندي السطحي، والذي ترافق بامتداد لمرتفع جوي شبه مداري في طبقات الجو العليا، وبحسب منصة الغابات ومراقبة الحرائق “فيرمو” أن مستويات الخطورة ستعود إلى الارتفاع الطفيف مع بداية هذا الشهر، حيث تزداد المساحات المتأثرة بالمستويات المرتفعة، وخاصة الأجزاء الجنوبية من السفوح الشرقية لسلسلة الجبال الساحلية، وبحسب المنصة لا تزال الظروف الطبيعية من حرارة وجفاف داعمة للمستويات المرتفعة لخطورة الحريق، ومحذرة من أي نشاطات قد تكون سبباً في نشوب أي حريق آخر.
أسئلة ساخنة!
إذا سلمنا بالعوامل الطبيعية من ارتفاع حرارة وسرعة رياح وتدني نسبة الرطوبة كمتسبب في إشعال الحرائق وتوسع رقعتها، لكن بذات الوقت هناك من يفتعل الحرائق متعمداً ذلك، وهناك من يتعامل بجهل مع الطبيعة والبيئة –وما أكثرهم- كرمي عقب سيجارة، أو قيام بعض المزارعين بتجميع الأعشاب الجافة وحرقها في وقت تكون فيه الرياح شديدة والحرارة مرتفعة فيتطاير الشرر إلى أماكن أخرى فيشب الحريق وتصعب السيطرة عليه، وغير ذلك من الممارسات الخاطئة التي يرتكبها من يقومون بالرحلات العائلية لمناطق الغابات.
وهنا دائماً ما يسأل أهالي المناطق المحروقة، بل هو سؤال كل مواطن سوري: أين جيش وزارة الزراعة من الموظفين والمعدات لحماية الأحراج، وأين تدابيرها الوقائية؟، فيما انتقد آخرون استمرار تبرير الجهات المعنية ضعف السيطرة على الحرائق بصعوبة التضاريس ووعورة الأرض وهبوب الرياح الشديدة!.
إهمال وتقصير!
ومع الشكر للجهود الجبارة المبذولة في إطفاء الحرائق، لكن هناك من يرى أن الجهات المختصة قصّرت إلى حد ما وأهملت واجبها في الوقت الذي كان بالإمكان فيه خلال سنوات شق طرقات وخطوط نار لتسهيل العمل وتطويق الحرائق، بالإضافة إلى بناء خزانات مياه ضخمة وحمايتها، وتفعيل ودعم مخافر الغابات، والأهم شراء ولو طائرة واحدة لإطفاء واخماد الحرائق، وغير ذلك من الإجراءات الأخرى التي كان يجب القيام بها على مدار سنوات خلت قبل أن تتشعب الغابات وتنمو بهذه الكثافة!.
سريعة الاشتعال
كلنا يعلم أن هناك الكثير من النباتات الشوكية وغيرها من الشجيرات والأعشاب السريعة الاشتعال التي تنمو بكثرة تحت الأشجار، خبير في الزراعة سأل عن سبب عدم القيام بحملات تنظيف بالاعتماد على فرق من وزارة الزراعة والإدارة المحلية وبمساعدة المنظمات الطلابية والشبابية وكافة منظمات المجتمع المدني بالقيام بحملات تنظيف وتقليم لأشجار الغابات في الأماكن المتاحة والممكنة، بشكل دوري مع بداية كل فصل صيف، مع العمل على توعية المواطنين وحضهم على حماية البيئة والغابات، ويوضح الخبير الزراعي أن الغطاء النباتي في سورية بات في خطر، فسنوياً تلتهم النيران عشرات آلاف الدونمات من الحراج والمناطق الزراعية، والخطورة برأيه تكمن في هجرة الحيوانات البرية والطيور التي لن تعود إلا بعد وقت طويل، عدا عن ازدياد نسب التلوث البيئي بسبب موت الرئات الخضراء.
يا لطيف!
على مواقع التواصل الاجتماعية تفاعل السوريين أولاً بأول مع الحرائق المشتعلة في المنطقة الساحلية، وأبدوا ألمهم وحزنهم على احتراق الغابات في أجمل المناطق الساحلية وأشهرها مشقيتا، وعلق البعض بالقول “مو ناقص السوريين غير نيران الحرائق ألا يكفيهم جهنم الأسعار التي ألهبت جيوبهم؟”.
وأبدى البعض خوفهم من قادم الأيام بعد أن ارتفعت الأسعار خلال الأسبوع الماضي أكثر من 30% لكل السلع الغذائية!.
وفي تعليق طريف كتب أحدهم على صفحته “أنا أستغرب أن يستغل التجار حرائق اللاذقية ويرفعوا أسعار المواد الغذائية القادمة من الساحل بحجة عدم توفر المحروقات والآليات التي خصص جزءاً كبيراً منها للمساعدة في إطفاء وإخماد الحرائق!”.
كما اشتعلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالدعاء لأن تتلطف السماء بشعبنا ويكون الفرج قريباً.
للأسف هناك فوضى في الأسعار، والخطير أن بعض المواد الغذائية بدأت تّفقد في الأسواق كالسكر والرز والمعلبات والزيوت النباتية، والمنظفات وغيرها، حيث يحتكرها التجار طمعاً في رفع أسعارها مع ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازي!.
مؤلم ما يحدث، فالناس بدأت تتكلم مع نفسها في الشارع، فلم يكن أحد في سورية يتوقع أن نصل فيه إلى شراء الفواكه بالحبة وبيضة واحدة أو اثنتين، والفروج بالقطعة وغير ذلك، وفوق كل ذلك تأتي الحرائق لتأكل الأخضر واليابس
بالمختصر، لا ينقص المواطن السوري همٌ جديدٌ يكفيه ما يتحمله من معاناة غليان الأسعار، لتأتي حرائق الغابات وتدمي قلبه، خاصة من احترقت أرضه الزراعية المليئة بأشجار الزيتون المعمرة، والتفاح والحمضيات وغيرها من المزروعات التي أبحت رماد.
كلنا أمل أن تتدخل الجهات المعنية بأسرع وقت وتضرب بيد من حديد كل من يُشعل حرائق الأسواق، فكما حرائق الأحراج بحاجة لإطفاء وتبريد، أيضاً حال المواطن ووضعه المعيشي الملتهب يحتاج لتبريد باتخاذ إجراءات تنقذه وتحفظ كرامته وهو يبحث عن تأمين لقمة عيشه!.