علاقةٌ تفوقُ التحالف
تقرير إخباري
كان لافتاً خلال الاحتفال بعيد النصر في كوريا الديمقراطية الشعبية لهذا العام حضور وفدين رفيعي المستوى، الأول روسي عسكري برئاسة وزير الدفاع سيرغي شويغو ، والثاني يضمّ قياداتٍ من الحزب الشيوعي الصيني، إلى جانب قيام الرئيس الكوري الديمقراطي كيم جونغ أون باستعراض أحدث منتجات الأسلحة والصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، والمسيّرات الهجومية والطائرات دون طيار وأنظمة الدفاع الجوي.
هذه الخطوة لها دلالات متعدّدة وبالغة المعنى لأنها تأتي ردّاً قويّاً على التحرّكات المشبوهة لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن على تخوم المنطقة وفي أستراليا تحديداً التي كان موجوداً فيها لحضور مناورات عسكرية ضخمة، وما يُضاف إليها من تحرّكات أمريكية واستفزازات في بحر الصين الشمالي والجنوبي أو بين المحيطين الهادئ والهندي، وآخرها إنشاء خمسة قواعد عسكرية أمريكية جديدة في الفلبين لزيادة التدخّل في بحر الصين، ناهيك عن إنشاء تحالفات واصطفافات غربية الولاء وآخرها النية في إنشاء حلف “جاكوس” بين أمريكا واليابان وكوريا الجنوبية.
وعلى المقلب الروسي، يبدو جلياً انتقال دبلوماسية موسكو إلى الهجوم لأن الالتزام بالاتفاقيات الدولية والمواثيق جلب لها خسائر كثيرة آخرها التزامها باتفاق “مينسك” الذي تبيّن لاحقاً أن الغرب اختلقه لمجرّد تقوية النازية الأوكرانية لتجابه روسيا، حيث تؤكد روسيا الآن أنها ستتعامل بحذرٍ ودون ثقة مطلقة مع الغرب الجماعي وستبحث عن علاقات أكثر جدوى.
كذلك ما يجري اليوم يؤكّد استمرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعزيز الحراك السياسي بين بلاده والصين وكوريا الديمقراطية بشكل متزايد وواضح، ما سينتج رصانة في بناء القدرات العسكرية الثلاثية وتعزيزاً للتنمية الاقتصادية رغم الحصار وحزم العقوبات شبه اليومية التي تستهدف البلدان الثلاثة، إضافةً إلى تحقيق المزيد من دعم الاستقرار في المنطقة على اعتبار أن الغرب مدّ حربه ضدّ روسيا إلى تهديد مصالحها وحلفائها في منطقة آسيان، بعد أوروبا الشرقية ووسط آسيا. ومن جهةٍ ثانية فإن هذا التقارب الروسي الصيني هو اليوم مع دولة نووية لم ولن تتخلّى عن سلاحها النووي الاستراتيجي الرادع في وجه الولايات المتحدة وخصومها.
أما على المقلب الصيني، فعلينا الأخذ بعين الاعتبار أن دول آسيان الحليفة للولايات المتحدة وشعوبها تقيم أطيب العلاقات الاقتصادية مع الصين، ولا ترغب بأي صدام معها حتى اللحظة، لأن أي صدام سيعود عليهم بالدمار المحقق والانهيار الاقتصادي لعقود من البناء والرخاء، وذلك على ما يبدو لا يهمّ “حليفتهم” الأنانية واشنطن التي تتابع إرسال مسؤوليها إلى الصين للحرص على تأكيد “عدم وصول التنافس معها درجة الصدام”، مع إصرارها في الوقت نفسه على انتهاج الحرب الباردة وغير المباشرة العبثية ضدّ بكين حتى اللحظة.
وعليه فإن هذا التجمّع لروسيا والصين وكوريا الديمقراطية الشعبية لا يشكّل مجرّد تحالف، بل يتعدّى ذلك لتشكيل نواة عملاقة لاستقطاب دولي جديد وكبير، ودعوةً لدول آسيا وإفريقيا وإيران والوطن العربي، أصحاب الثروات والموارد في العالم للانضمام إلى العالم المتعدّد الأقطاب الذي يضمن حقوق الشعوب ويضع حدّاً لاستغلالها عبر الحروب الباردة والناعمة وحتى الصدامات المباشرة التي يقودها “الناتو”.
بشار محي الدين المحمد