أفريقيا في دائرة الصراع الدولي المتغير
ريا خوري
انطلقت القمة الروسية _ الأفريقية في مدينة سان بطرسبورغ وموسكو يوم الخميس ٢٧ تموز الماضي، بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعدد كبير من قادة دول القارة الأفريقية، لتعلن للعالم أجمع إخفاق الغرب في عرقلتها.
لقد أكّدت روسيا على مواقفها الثابتة من القارة الإفريقية، وإنها مستعدة لإرسال الحبوب إلى البلدان الأفريقية من دون مقابل، مؤكدةً على لسان رئيسها بوتين قدرة بلاده على تعويض القارة السمراء عن الحبوب الأوكرانية، وذلك بعد انسحاب روسيا من مبادرة تصدير الحبوب التي ترعاها الأمم المتحدة.
تعوّل القيادة الروسية على إستراتيجية التعاون مع القارة الأفريقية، وتعتزم تطوير هذا التعاون لتحفيز التجارة والاستثمار والتبادل الاقتصادي، والعمل على حل مشاكل العديد من القضايا الملحّة التي تعاني منها القارة الإفريقية، مثل مكافحة الفقر والجوع والحرمان، وضمان الأمن الغذائي، وفقدان الدواء ومواجهة التغير المناخي .
قبل أن تنعقد قمة سان بطرسبورغ، بدأت حرب معلنة لإفشالها، أو دفع أعداد كبيرة من القادة وكبار المسؤولين الأفارقة إلى مقاطعة أعمالها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، لكن أغلبية الدول الإفريقية شاركت بممثلين رفيعي المستوى، وكبار القادة، فيما تغيبت تحت الضغط عدّة دول تعدُّ على أصابع اليد الواحدة، لم يحصرها أحد ولم يهتم بغيابها أحد، باستثناء دولة النيجر التي تعرّضت لانقلاب سريع أطاح برئيسها. كانت تلك إشارة عكسية إلى رغبة عامة في القارة الأفريقية لعدم قطع الصلات الاقتصادية والإستراتيجية مع روسيا أيّاً ما كانت درجة الضغط عليها.
لقد وجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمامه منصة دولية مؤثرة ومسموعة يخاطب من فوقها الشعوب الإفريقية المتضررة بقسوة من أزمة الحبوب الأوكرانية، وبشيء من الإسهاب في الشرح والتوضيح حاول بوتين أن يشرح الموقف الروسي محملاً الغرب الأوروبي – الأمريكي مسؤولية تعطيل اتفاق الحبوب، وتحويلها إلى الدول الأوروبية الغنية، وحرمان الدول الإفريقية الأكثر تضرراً.
الجدير بالذكر أنّ القمة الروسية – الأفريقية الأولى التي عقدت بمنتجع سوتشي قبل نحو أربع سنوات، بدت من ضمن توجّه دولي تبنته دول عدة دول كبرى للرهان على إفريقيا الواعدة.
أرادت القيادة الروسية، هذه المرة، أن تقول إنها ما زالت لاعباً رئيسياً ومهماً في الساحة الدولية، وأن نظاماً دولياً جديداً يوشك أن يولد لن تنفرد به قوة دولية واحدة كالولايات المتحدة الأمريكية على ما كان جارياً في سنوات الحرب البادرة، مدفوعاً بطموحه وتطلعاته لإعادة بناء النفوذ روسيا في القارة السمراء الواعدة، من خلال إعادة التمركز: “نحن هنا، ولا يملك أحد مهما كان حذفنا من على خرائط النفوذ والقوة”.
لقد تجلى التاريخ في قمة سان بطرسبورغ وكان حاضراً في الذاكرة العامة، فالأفريقي يعتد بمعاركه للانعتاق من التمييز العنصري، ويعتز بأبطاله التاريخيين العظماء، ولكن لديه أحلامه وكوابيسه وتساؤلات عن مستقبله، فقضية التنمية تشغل معظم دول القارة الإفريقية، غير أن الانقلابات والحروب الأهلية والعرقية المشتعلة في جنبات القارة السمراء، تكاد تقطع الطريق على الآمال الواسعة المعلقة على مستقبل أفريقي جديد. صحيح أن القمم الدولية حول القارة الإفريقية والتمركز فيها إشارة إلى المستقبل الذي ينتظرها، لكن يبقى القرار في يد الأفارقة بما يملكون من طاقات وثروات ليكونوا وحدهم صناع مستقبلهم ومستقبل أجيالهم في عالم يتغير بشكلٍ متسارع .