دراساتصحيفة البعث

السودانيون لا يثقون بمبادرات الغرب

سمر سامي  السمارة

أثار الوضع المتأزم للغاية في السودان، والناجم عن الأعمال العدائية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، العديد من التساؤلات حول الموقف الذي اتخذه المجتمع الدولي، وخاصة القوى العالمية الكبرى لحل هذه الأزمة.

في الواقع، أدى الصراع بين الفصائل السودانية التي تتنافس على النفوذ والسيطرة على البلاد إلى تردي الأوضاع ليس فقط في السودان، ولكن أيضاً في بقية دول إفريقيا.

ويتفق العديد من المحللين السياسيين على أن أزمة السودان مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بغيرها من الصراعات الكبرى، خاصة بين أوروبا المدعومة من الولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى، والصراع “الناعم” بين الولايات المتحدة والصين. وعلى الرغم من بعد تلك البلدان والمناطق جغرافياً عن الصراع السوداني، فإن الطبيعة المترابطة للمصالح الجيوسياسية تعني أنها في الواقع في بؤرة جميع الاضطرابات الداخلية الدولية التي تم ذكرها، فضلاً عن أن المبادرات الهادفة إلى حل أزمة السودان تتعارض تماماً مع تلك النزاعات الأخرى، وتعوق حلها بدلاً من المساهمة في إيجاد الحلول.

كانت هناك ثلاث مبادرات رئيسية مقترحة فيما يتعلق بالسودان: أولها كان من منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي، وهي التجمع الإقليمي الرئيسي الذي يعالج الأزمة، والذي يخشى أن تنتشر الأزمة إلى دول أفريقية أخرى. ولسوء الحظ، كان للأحداث المأساوية في السودان بالفعل تأثير خطير على عدد من الدول الأخرى في المنطقة. فقد عانت العديد من البلدان والمناطق بشدة بسبب تدفقات اللاجئين والعواقب السياسية الصعبة للأزمة السودانية، بغض الطرف عن تأثيرها على أمن القارة واقتصادها.

وتهدف المبادرة الثانية إلى تعزيز التجارة بين الدول الأفريقية لتخفيف الآثار الاقتصادية للأزمة السودانية على بقية دول القارة. ولكن، نظراً للوضع العالمي المعقد، الذي يحرض عليه باستمرار الغرب بقيادة الولايات المتحدة، فمن غير السهل تحقيق “قفزة إلى الأمام” تؤدي إلى تعزيز حجم التجارة.

بالإضافة إلى ذلك، فقد اعتاد الغرب على عرقلة أي مبادرة من روسيا والصين، مثل صفقة الحبوب لأفريقيا، والتي بموجبها عرضت موسكو تقديم الحبوب والأسمدة مجاناً لعدد من أفقر البلدان الأفريقية، حيث يمكن لتلك المبادرة أن تخفف إلى حد ما التوترات في إفريقيا، وتهدئة الوضع الصعب للغاية في السودان.

والمبادرة الثالثة تمثلت بالمقترح السعودي الذي يهدف إلى حل جميع الخلافات بين الفصائل السودانية المتناحرة، من خلال ضرورة احترام سيادة السودان والحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه، والقبول بأن الأولوية الرئيسية هي حماية مصالح وأمن الشعب السوداني. كما يشدد على أهمية حماية المدنيين في جميع الأوقات، وضمان قدرتهم على مغادرة مناطق النزاع بأمان، والسماح للمنظمات الإنسانية بإجلاء المرضى والجرحى دون تمييز، كما تطالب المبادرة الطرفين بالامتناع عن تجنيد الأطفال للقتال.

وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات، قد تحتاج السعودية إلى إعادة النظر في مقترحها وبذل جهد أحادي الجانب لضمان نجاحه، خاصة وأن جهود المملكة تلقى استحساناً في الأوساط السياسية السودانية، كما يدعم الرأي العام في السودان المملكة العربية السعودية وأهدافها. وبينما دعا السعوديون القوى السياسية المتناحرة في السودان للمشاركة في اجتماع جدة، يعتقد عدد من المراقبين السودانيين أنه ينبغي إشراك كافة المجموعات المعنية، خاصة تلك التي تنشط في مناطق الصراع بما فيهم ممثلي المشاريع الاجتماعية، وهي مجموعات لا تنتمي إلى أي من الأطراف الرئيسية في النزاع، في المحادثات..

في السودان، تنتشر عدم الثقة في نزاهة الغرب، ويرى السودانيون أن الدول الغربية تسعى لإدارة الأزمة لتعزيز مصالحها الخاصة بدلاً من السعي لحلها.

يخشى الشعب السوداني من سلوك وأجندات المنظمات الدولية غير الحكومية، حيث يأتي عدم الثقة هذا نتيجة للدور المزعزع للاستقرار الذي تلعبه العديد من هذه المنظمات في دول مثل اليمن والصومال وسورية وغيرها، بالإضافة إلى العوائق العديدة أمام تقديم المساعدات الإنسانية لمناطق بعينها، الأمر الذي أثار الكثير من الشكوك حول الدوافع الحقيقية لبعض هذه المنظمات.

بطبيعة الحال، لا يمكن لأفريقيا أن تنتظر ببساطة أن يأتي الغرب لإنقاذها، لأنه كعادته يسعى إلى تحقيق مصالحه الخاصة، لا سيما أن القوى الكبرى لديها اعتبارات أمنية أخرى تتعلق بمصالحها واعتباراتها الإستراتيجية. وبالتالي، فإن الأمر متروك للقوى الإقليمية لتحمل المسؤولية عن العملية، بالإضافة إلى روسيا ودول البريكس الأخرى، لحل أزمة السودان شديدة الصعوبة.