النيجر.. جبهة أخرى في الحرب الباردة الجديدة
هيفاء علي
أن يحدث انقلاب في بلد أفريقي فقير فهذا ليس بالأمر الجديد، لأن القارة السمراء مصابة بداء الانقلابات، ولكن السياق الجيوسياسي الحالي يمنح النيجر الواقعة في غرب إفريقيا أهمية عالمية.
أطاح جيش النيجر بالحكومة في انقلاب، مما يمهد الطريق لمواجهة جديدة مع الغرب، بحيث تجد النيجر نفسها في وضع مشابه لوضع معظم دول غرب إفريقيا، لجهة مواصلة فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، ممارسة سلطتها المالية والعسكرية على البلاد والتدخل في شؤونها الداخلية، ولهذا كان الانقلاب شائعاً حيث طالب بعض المتظاهرين برحيل فرنسا.
في البيئة الجيوسياسية الجديدة التي يعيش فيها العالم اليوم، أصبح لدى الدول الأفريقية الآن مساحة وخيارات سياسية أكبر لتخليص نفسها من النفوذ الغربي، وبالتالي تصبح النيجر التي مزقتها الحرب، ولكنها غنية بالمواد الخام، جبهة جديدة. خلال عصر القطبية الأحادية الأمريكية، كانت الدول الأفريقية تحت رحمة الغرب، فقيرة ويائسة وغير مستقرة، فاضطرت العديد من الدول الأفريقية إلى الاعتماد على أسيادها الاستعماريين السابقين، وكذلك الولايات المتحدة، للحصول على أشكال مختلفة من المساعدة، وبشكل خاص خلال حقبة “الحرب على الإرهاب”، عندما كانت حركات التمرد الإرهابية تهدد أمن شعوبها، حيث تم نشر القوات الخاصة الفرنسية والأمريكية بزعم محاربة الإرهابيين في دول غرب إفريقيا.
ومع ذلك، فإن هذه المساعدة، سواء كانت مالية أو عسكرية، كانت مصحوبة بالتزام الدول الأفريقية باحترام الفكر الإيديولوجي لدى الغرب، أي شكل من أشكال الاستعمار الجديد. ولكن العالم تغير، وانتهى سياق الحرب على الإرهاب وبات العالم الآن في بيئة جيوسياسية تمليها المنافسة الشرسة بين الدول القوية بشكل أساسي الولايات المتحدة و”حلفائها” ضد منافسين أقوياء مثل الصين وروسيا. بمعنى أن الدول الأفريقية لديها الآن “خيارات” أخرى للحصول على المساعدة، مما يسمح لها بتعظيم استقلاليتها السياسية وفضائها بدلاً من الرضوخ للظروف الأيديولوجية لبلد آخر.
فعلى سبيل المثال، تعتمد الدول الأفريقية بشكل متزايد على مبادرة طريق الحرير الجديد الصينية، بحيث لم يعد من الممكن استغلال الدول الأفريقية من قبل منظمات مثل صندوق النقد الدولي. وبالتالي، في ظل هذه الظروف، مع كون الجيش أقوى لاعب سياسي في البلدان غير المستقرة مثل النيجر، فإن لديه الفرصة للاستيلاء على السلطة والحماية من النهب الغربي، لأنه في هذا النظام الدولي، لم تعد الولايات المتحدة قادرة على تنفيذ أحادي الجانب بشكل مباشر لتدخلاتها العسكرية. هذه هي الطريقة التي استفادت بها الحكومات والجيوش من رد الفعل المعادي للفرنسيين عبر غرب إفريقيا للبدء في طرد وجود أسياد المستعمرين السابقين. ففي غضون عام، طُرد الجيش الفرنسي من مالي وبوركينا فاسو، ويجب أن تكون النيجر هي التالية، ومع ذلك، لا يزال خطر اندلاع حرب أهلية تدعمها فرنسا قائماً.
وبحسب مراقبين، إذا نجح الانقلاب في النيجر في النهاية، فإن السلطات الجديدة تعتزم إقامة علاقات أوثق مع روسيا، والتي يمكن أن تصبح ضامناً جديداً أقل تعقيداً للأمن، بينما تقدم الصين عموماً المساعدة الاقتصادية والبنية التحتية للدول الأفريقية، فضلاً عن ضمان عدم التدخل ودعم السيادة الوطنية.
وبالطبع، للنيجر أهمية إستراتيجية، فعلى الرغم من أنها دولة غير ساحلية وفقيرة في وسط الصحراء، إلا أن لديها مخزون كبير من الموارد الطبيعية، بما في ذلك اليورانيوم والفحم والذهب وخام الحديد والقصدير والفوسفات والبترول والموليبدينوم والملح. فيما تعتبر احتياطاتها من اليورانيوم من بين أكبر احتياطيات العالم، وهو أمر ضروري للغاية للطاقة النووية. ولهذا السبب، لا تريد فرنسا تسليم النيجر دون قتال، حيث يلوح في الأفق احتمال نشوب صراع بالوكالة. إذا هُزمت المصالح المدعومة من الغرب في البلاد، فإن خسارة النيجر الإستراتيجية في الموارد ستكون هائلة، ومن المحتمل جداً أن تكسب الصين ميزة على الغرب في هذه العملية. كل هذا جعل النيجر أكثر الحدود الجديدة احتمالاً في العالم، والانقلابات اليوم تحدث في سياق بيئة جيوسياسية جديدة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها حرب باردة جديدة.