ثقافةصحيفة البعث

“بيو خائف”.. أزمة ثقة وأزمة تجريب

نور الدين النجار

تمتّع فيلم “بيو خائف” للمخرج الأمريكي آري استر (36 سنة) بعدّة ميزات قبل عرضه، أولها أنه الفيلم الثالث في مسيرته بعد نجاحين بـ (Hereditry) 2018 و(Midsommar) (2019)، وهي أفلام من نوع الرعب النفسي حققت حضوراً قوياً ونجاحاً على الصعيدين النقدي والجماهيري، وأثارت جدلاً مستحقاً حول أسلوبية المخرج ومشروعه، هذا المشروع والأسلوب القائم على الكابوسية والتنافر بين تنظيم الصورة والأشياء وجماليتها وفوضى الأحاسيس والشخصيات، وكأنها بكثير من الأحيان تعبير عن أزمة وجود للإنسان المعاصر في محيط لا ينتمي له، أو الواقع تحت ضغط لا يقدر على مجابهته ويواجه تحديات لا يفهمها، مع نقد لمشكلات العلاقات الأسرية وأزمة العائلة الأمريكية واضطرابات التربية التي تترك ندوب وتشوهات نفسية تحملها الشخصيات، وهنا يكمن الرعب في أسلوب استر وشكل أفلامه التي تشبه الكوابيس، حيث يجعل المشاهد يعيش تلك الحالة من الصراع ضد مؤامرة غامضة تحركها قوة خفية تستهدف وجود الشخصية الرئيسية.

الميزة الثانية تمتعه بأريحية كبيرة من حيث الميزانية والحرية الإبداعية ونيله المساحة الكاملة لقول ما يريده ويعبّر عن مشروعه، ولكن بعد العرض بان أن هذه الميزة عبء عليه، فالحرية المطلقة التي نالها جعلته يتوه في دائرة مغلقة. والفيلم طويل جداً وكان يمكن اختصاره، ليست القضية أنه يثير انطباعاً غير مريح للمشاهد فهذا ما يهدف له، ولكن المشكلة أنه يكرر ذاته بأكثر من طريقة، ثلثه الأول ممتاز جداً، تعبير أقرب للسريالي عن كيف يعيش الشخص الواقع تحت أسر مخاوفه وكيف يرى الأشياء، ويبدو استر هنا واقعاً تحت تأثير السيناريست والمخرج الشهير تشارلي كوفمان، فنرى العالم من وجهة نظر الشخصية وكأنه سلسلة من الكوابيس المتداخلة التي لا تنتهي، يدخل الواقع بالخيال والحلم بطريقة مربكة وفيها الكثير من الاحترافية، ولكن في الثلث الثاني الذي يفترض أنه ثلث الراحة يسقط العمل، يجنح إلى الخيال أكثر ومقولته حول أن بيو يضيّع حياته بالعيش ضمن مخاوفه جاءت مباشرة وأشبه بالتلقين، ويعيد ما يريد أن يقوله مجدداً بأكثر من طريقة، ما ينقذه هو التنفيذ البصري الممتاز جداً، وهذه ميزة الفيلم رغم طوله بالإضافة إلى القدرة على ضبط الإيقاع بأكبر قدر ممكن.

الثلث الثالث ينقسم، نصفه الأول ممتاز ونحن نقابل أخيراً أسوأ مخاوف بيو وأصل هذه المخاوف، والدته، ومشهد مواجهة عظيم بينهما، ولكن النصف الثاني يعيد مجدداً تكرار ما قاله النصف الأول، إعادة المواجهة بطريقة المحاكمة باستعراض بصري أخاذ، ولكن لا إضافة مهمة يقدمها ولا يعطينا الخاتمة المنتظرة، ولو أنه ختم الفيلم بالمواجهة الأولى لكان صنع نهاية مثالية.

الميزة الثالثة التي تمتّع بها العمل قبل عرضه هو تصدّر واكين فونيكس لبطولته، الممثل الأهم حالياً والحائز على الأوسكار عن دوره في الجوكر عام 2019 يبدع بأداء الشخصيات الذكورية الواقعة تحت ضغط يحطّم ذاتها، هنا لديه المساحة الكاملة ليبدع ويقدّم أفضل ما لديه، ويحمل الفيلم ويعطي أداء ممتازاً ومرهقاً جداً مع مسحة من الكوميدية الخفيفة، إلى جانب واكين قدّمت باتي ليبون أداء عظيماً بدور والدة بيو، ظهورها المنتظر والذي تأخر لنهاية الفيلم جاء استثنائياً وسيطرت على العرض وقدمت الصورة المتوقعة لما يجب أن تكون عليها تلك الشخصية المضطربة السلطوية التي مهّد لها استر طوال العمل.