هل ينجح مخطط “الفضيحة الداخلية” لحجب الهزيمة في أوكرانيا؟
هيفاء علي
تحت هذا العنوان تطرق أليستر كروك، السياسي البريطاني المعروف، والعميل السابق في جهاز الاستخبارات البريطانية، في تحليله لمجريات الحرب في أوكرانيا، معلناً هزيمة الجوقة الغربية ممثلة بواشنطن وذراعها العسكري حلف الناتو، لافتاً إلى أن المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم بايدن ووزير خارجيته ومدير استخباراته، لا يتوقفون عن تكرار الديباجة نفسها والتسويق لفكرة أن روسيا خسرت الحرب في أوكرانيا، موضحاً أن هناك اضطراباً نفسياً أو تفكيراً جماعياً استولى على فريق البيت الأبيض، مما أدى إلى تشكيل حقيقة زائفة معزولة عن العالم، لكنها تتشكل بهدوء حول أهداف أيديولوجية أكبر.
ويؤكد السياسي البريطاني أن هذه مقدمة لـ”لعبة إلقاء اللوم” المكثفة: فمشروع أوكرانيا “فشل لأن الأوكرانيين لم يطبقوا حرفياً التعليمات الصادرة من مدرّبي الناتو، وخلاصة القول هي إننا “نحن- الأمريكان والغرب” نتحكم في سرد القصص، لذلك أصبح “انتصارنا” وهزيمة روسيا حتمياً، مع العلم أن الأمريكيين فقدوا الثقة منذ فترة طويلة في وسائل الإعلام السائدة.
وأشار كروك إلى أنه في الأيام القادمة من المرجّح أن تكون الفضيحة التي تطال هانتر بايدن، نجل الرئيس، أكثر خطورة على بايدن وعلى البلاد، حيث يواجه هانتر تهماً عديدة بالفساد والتهرّب من الضرائب منذ خمسة أعوام، بالإضافة إلى تهم أخرى ترتبط باستغلال منصب والده لابتزاز مستثمر صيني لكي يدفع له المال. وأخرى تتعلق بحصوله على مليون دولار سنوياً من شركة أوكرانية، وتحويلها إلى شركته الخاصة. وتشير المعلومات إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان على علم تام بكل هذه الممارسات، وقد اعترف هانتر بأنه مذنب في تأخير دفع الضرائب أمام جوقة من أعضاء مجلس النواب، ووسائل الإعلام الذين رفضوا جميع مزاعم الفساد الأخرى، وأعلنوا بحزم إغلاق ملف الفضيحة، ما يؤكد أن “رغبة وسائل الإعلام” في المضي قدماً وصلت إلى مستوى شبه مسعور، حيث ظهرت ملايين المدفوعات الأجنبية وعشرات الشركات، وتسريب رسائل البريد الإلكتروني التي تدين هانتر. وقد تبيّن أن العناصر الرئيسية لـ”مخطط الانفجار الداخلي” هي إنكار قاطع وثابت لوجود أي “مشكلة” ورفض عنيد للتنازل حتى ولو ذرة واحدة من فكرة أن هناك نوعاً من الفشل.
في السياق، كتب البروفيسور جوناتان تورلي، قبل عام، أن المؤسّسة السياسية والإعلامية الأمريكية من المحتمل أن تتخذ نهج “الفضيحة الداخلية” لمزاعم الفساد مع تزايد الأدلة، في محاولة لتحويل انتباه الشارع الأمريكي، وحجب حقيقة الهزيمة في أوكرانيا عنه، حيث اقترح تورلي أن تحصل وزارة العدل على “نداء خفيف” من بايدن بشأن بعض التهم الضريبية، مع فترة سجن قليلة أو معدومة.
وأوضح كروك أيضاً أن هذا هو أسلوب العمل المستخدم في سياق كارثة “نورد ستريم”، حيث طلب البيت الأبيض من وكالة المخابرات المركزية أن تعدّ سيناريو “انفجار الفضيحة من الداخل”. وكما حصل في أفغانستان، حيث كانت الحرب في أفغانستان نوعاً من بوتقة الانصهار، وتحوّلت أفغانستان إلى ساحة اختبار لجميع ابتكارات إدارة المشاريع التكنوقراطية لحلف الناتو، تمّ الإعلان عن كل ابتكار باعتباره مقدمة لمستقبل يغيّر قواعد اللعبة. تدفقت الأموال، وتمّ تشييد المباني، ووصل جيش من التكنوقراط المعولمين للإشراف على العملية. كانت البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، والاستخدام في الوقت الفعلي للمجموعات المتزايدة باستمرار من المراقبة الفنية والاستطلاع من أجل الإطاحة بالمذاهب العسكرية القديمة الثابتة.
لكن التكنوقراطية، باعتبارها الطريقة الوحيدة لبناء جيش وظيفي على غرار الناتو، أنتجت شيئاً فاسداً تماماً في أفغانستان “هزيمة مدفوعة بالبيانات”، كما وصفها أحد المحاربين الأمريكيين الأفغان، انهارت في غضون أيام. أما في أوكرانيا، فلقد حوصرت قواته بين خيارين أحلاهما مرّ: لم ينجح دفع القبضة المدرّعة التي علمها الناتو لاختراق الدفاعات الروسية، ولا هجمات المشاة الخفيفة البديلة، بل زيادة على ذلك، تلقت أوكرانيا هزيمة مدوية بفعل الناتو.
ويختم كروك بالإشارة إلى أن فتح مفاوضات مع موسكو على أمل تأمين وقف لإطلاق النار أو صراع مجمّد لدعم “الرواية”، لكن الأحداث تمضي قدماً مع وسائل الإعلام أو بدونها، وقضية بايدن هي “موقع يوم القيامة للدمار الداخلي في الولايات المتحدة”، بينما يواجه الغرب هزيمة إستراتيجية ناجمة عن مشروعه الأوكراني، لأن هذه الهزيمة ليست فقط في ساحة المعركة الأوكرانية، بل دمّرت أسطورة القوة المطلقة لحلف الناتو، وغيّرت تاريخ الأسلحة “السحرية” الغربية، تماماً مثلما حطّمت صورة الكفاءة الغربية.