“هيروشيما”.. الخطيئة الأصلية!
أحمد حسن
بالأمس، وبهدوء كامل، ومرعب أيضاً، مرّت ذكرى المجزرة النووية المروّعة والوحيدة بتاريخ العالم دون حساب أو عقاب ولو حتى على المستوى المعنوي.
رئيس وزراء اليابان، الدولة التي وقعت الجريمة على أرضها وشعبها في هيروشيما، لم يجرؤ، بهذه المناسبة، أن يدين، ولو بكلمة واحدة، من قام باستخدام السلاح النووي فعلياً وعلى شعبه ذاته فكيف بمطالبته بالتعويض والاعتذار.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لم يجرؤ أيضاً على تسمية المجرم، ربما مراعاة لحق “المضيف” الذي يستقبل – وتلك مفارقة كبرى – “المنظمة” العالمية على أراضيه، وحتى حين حذّر من أن “طبول الحرب النووية تدقّ مرة أخرى” لم تسمح له النوافذ الزرقاء للمبنى الزجاجي في واشنطن رؤية من يقرع هذه الطبول من جديد.
وأبعد من ذلك فإن غوتيريش، وهو يحثّ المجتمع الدولي على التعلّم من “الكارثة النووية” التي عصفت بالمدينة اليابانية، لم يستطع أن يحثّ المجرم على الاعتراف بجريمته والاعتذار من الضحايا، وحين رأى أن “انعدام الثقة والانقسام يتصاعدان”، لم يستطع، من موقعه ومكانه، على ما يبدو رؤية من يتسبّب بانعدام الثقة ومن يصنع الانقسام، ومن هو الذي جعل العالم فعلياً معسكرين متواجهين: “الناتو” و”البقية”، لتتجاوز المسألة الدفع بقصة “الخطة الجديدة” لتعزيز المعايير العالمية ضد استخدام الأسلحة النووية وانتشارها، نحو تأليف “خطة جديدة” تلجم من يدفع بقية دول العالم، الحائزة عليها، لاستخدامها دفعاً.
اللافت في الأمر أن الخوف الياباني والأممي من تسمية المجرم يبدو من غير مبرر حقيقي، فواشنطن ذاتها أعادت التباهي عبر “هوليودها” بأنها من فعلت ذلك، وهذا “التباهي” لا يمكن قراءته بحقيقة عدم مبالاتها بالعالم كلّه، كما أنه ليس اعتراف القوي “المتعجرف” بجريمته، بل هو، في جوهره، عمل واعٍ يسعى لتثبيت الهدف الأصلي من ارتكابها وهو الاستمرار، الجشع والإجرامي، في ترسيخ الهيمنة المتوحّشة والمنفرّدة على الجميع من خصوم وحلفاء.
وتلك “الهيمنة المنفردة” هي من تجعلها الحامية الكبرى، وشبه الوحيدة تقريباً، لـ “النووي الإسرائيلي”، الوحيد في منطقتنا، في الوقت الذي تقيم فيه الدنيا ولا تقعدها من أجل أي برنامج نووي سلمي للكهرباء أو الأمراض المستعصية في دول المنطقة الأخرى، وقد كان لهذه “الحماية” الأمريكية “شرف” رعاية تناسل الجرائم الإسرائيلية من “الخطيئة الأصلية”: هيروشيما، ضد شعوب المنطقة، وآخر هذه الجرائم العدوان الفاجر أمس على ريف دمشق، الذي لم يلاقِ، كما الجريمة الأمريكية الأصلية، أي إدانة، أو استنكار، مما يسمّى “المجتمع الدولي”.
بيد أن الأمر أخطر من ذلك، فكما أسلفنا، وقبل ذكرى “هيروشيما” هذه بأيام معدودة احتفت “هوليود” – ذراع أمريكا الناعمة للسيطرة على العالم – بـ “أوبنهايمر”، والد القنبلة النووية، مقدّمة رواية بطولية، وإنسانية، عنه، مع تجاهل مدروس لنتيجة عمله وضحاياه، وذلك أمر مقصود، توقيتاً ومضموناً، وتلك ليست القضية بكل أبعادها، فالقضية كانت في قيام بعضنا، نحن الضحايا، بالتصفيق وقوفاً للسيد “الوالد” بعد أن صفّق طويلاً لمن استخدمها فعلياً واعتبره أحد أبطال “الحرب العالمية الثانية”، وذلك مؤشر خطر ليوم قريب قادم ستخرج فيه علينا هذه الـ “هوليود” بفيلم يلوم الضحايا على موتهم وسنجد من بين هؤلاء الضحايا من سيصفّق واقفاً أيضاً لروايتها هذه.