“الحزام والطريق” قضية تناقش بين روما وبكين وليس واشنطن
عائدة أسعد
ذكرت وسائل إعلام إيطالية ودولية أن الحكومة الإيطالية تدرسُ الخروج من مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، وانضمّت إليها إيطاليا خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ لإيطاليا في آذار 2019، ولكن حسب رأي بعض المحلّلين السياسيين لا تستند هذه التقارير إلى حقائق، وربما لا تعكس النيّة الحقيقية أو وجهات نظر رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني.
إن الواقع أبسط بكثير، فرئيسة الوزراء ميلوني لم تركز بعد بشكل كامل على مبادرة الحزام والطريق، لأنها كانت منشغلة بقضايا أخرى أكثر إلحاحاً تتعلّق بالسياسة المحلية بالإضافة إلى الأزمات الدولية، مثل أزمة أوكرانيا، والتضخم، وإمدادات الطاقة في إيطاليا، وكذلك تدفق المهاجرين، وهي أزمة موسمية تواجهها إيطاليا كل صيف.
وميلوني قارئة نهمة للتقارير والبيانات والتحليلات، وهي دائماً ما تتخذ القرارات بعد الفهم الكامل للقضايا المطروحة، وتحليل جميع الحقائق ومراعاة جميع الآثار المحتملة فهي سياسية حقيقية، وعلى هذا النحو لا بدّ أن تتخذ القرار بناءً على ما هو أفضل لإيطاليا.
وكدليل على ذلك، أكدت خلال اجتماعها مع رئيس الولايات المتحدة جو بايدن قبل أيام قليلة أنها لن تقبل أي تدخل في الشؤون الوطنية لإيطاليا من قبل الولايات المتحدة، وأن مسؤوليتها كرئيسة للوزراء هي الحماية والعناية بمصالح إيطاليا، ولذلك فإن مبادرة الحزام والطريق هي قضية ستناقش بين روما وبكين، ولن تحسمها واشنطن وسيستند القرار إلى الحقائق.
والحقائق تؤكد أن البيانات والتحليلات تشير بوضوح إلى الفوائد، وبالتالي تجديد المبادرة لمدة خمس سنوات إضافية، فمن عام 2018 إلى عام 2021 نمت صادرات إيطاليا إلى الصين بنسبة 20 في المائة، وهي نسبة أعلى من منافسيها الرئيسيين فرنسا وألمانيا، وحتى سنوات توسيع النطاق، من 2018 إلى 2022، السنوات الصعبة للاقتصاد الصيني، تظهر الأرقام الإيطالية أن صادراتها إلى الصين نمت بنسبة 11 في المائة، مقارنة بنحو 2 في المائة لكلّ من فرنسا وألمانيا، ويشير هذا إلى أن عملية اللحاق بالركب، وانضمام إيطاليا إلى مبادرة الحزام والطريق، بدأت في الظهور.
لكن منتقدي مذكرة التفاهم يجادلون بأنه في حين نمت الصادرات الإيطالية إلى الصين، نمت الصادرات الصينية إلى إيطاليا بمعدل أسرع وأعلى، مما أدى إلى زيادة العجز التجاري لإيطاليا. صحيح أن العجز التجاري لإيطاليا قد زاد، ولكن استخدامه كحجّة ضد تجديد مذكرة التفاهم يعتبر معيباً بشكل أساسي، ولا يوجد خبير اقتصادي ينظر إلى الفائض أو العجز التجاري بحدّ ذاته على أنه مقياس لمزايا أو عيوب الدولة، فقد كان الفائض التجاري يعتبر مصدراً للثروة في القرن السادس عشر، خلال العصر التجاري، قبل أن يطور الاقتصاديون نظريات جديدة لإثبات خطئها في حوالي عام 1800.
كما يرى المحللون السياسيون أن أولئك الذين يصرّون على أن “العجز التجاري أمر سيئ” يتمسكون بنظرية خاطئة عمرها 200 عام، واستيراد إيطاليا المتزايد للبضائع من الصين على وجه التحديد يمكن أن يكون جيداً لاقتصادها، وما تشتريه إيطاليا اليوم من الصين ليس تلك السلع التي كانت تنافس المنتجات المحلية الإيطالية (المنسوجات على سبيل المثال) التي خلقت بالفعل بعض المشكلات للاقتصاد الإيطالي قبل 30 عاماً.
كما أن إيطاليا تستورد اليوم في الغالب سلعاً لا تنتجها، وبالتالي لا يمكن أن تكون ضارة بالاستهلاك المحلي أو الشركات كما تستورد البضائع الصينية التي تشكل مكونات سلسلة الإنتاج، وبالتالي فهي ضرورية لدعم نموذج النمو الذي يقوده الاستيراد والتصدير، وبما أن هذه السلع رخيصة نسبياً، فإنها تساهم في التخفيف من التضخم، كما أنه من الزيادة البالغة 17 مليار دولار في العجز التجاري لإيطاليا، يأتي أكثر من 40 في المائة (7 مليارات دولار) من واردات الهواتف المحمولة والبطاريات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وغيرها من المعدات الإلكترونية الرخيصة التي نحتاجها لتسريع تحولنا الرقمي والأخضر بالإضافة إلى تخفيف التضخم.
وعلاوة على ذلك، فإن مبادرة الحزام والطريق ليست مجرد صفقة تجارية بين إيطاليا والصين، إنها أيضاً منصة للتعاون مع بقية أوروبا وآسيا، وقبل كل شيء، إفريقيا.
إن المشكلة الأخرى التي تحتاج ميلوني لحلها هي تدفق المهاجرين من إفريقيا، والحلّ لا يتمثل، كما تجادل بعض وسائل الإعلام، في التوزيع المتناسب لعشرات الآلاف من المهاجرين الذين يصلون كل عام إلى أوروبا بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وإنما يكمن في كيفية تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستقرة في البلدان الإفريقية، والتي سينمو عدد سكانها من 1.5 مليار إلى 4 مليارات بحلول عام 2100 وستثبت مبادرة الحزام والطريق أنها رصيد ذهبي في تحقيق ذلك.
في الأشهر المقبلة، من المرجّح أن تقوم ميلوني بتحليل مختلف جوانب المبادرة، ومن المتوقع تجديد مذكرة التفاهم مع التغييرات المحتملة في اللغة للتأكيد على تعاون أقوى مع الصين في العمل المناخي، والسلام والأمن، وتنمية إفريقيا بصفتها الدولة الأولى والوحيدة في مجموعة السبع التي تنضمّ إلى مبادرة الحزام والطريق، ويمكن لإيطاليا أن تلهم دول مجموعة السبع الأوروبية الأخرى للانضمام إلى المبادرة، وليس التخلي عنها.