المسرح السوري.. ملاذ وخلاص وعلاج
على الرغم من أن عنوان الندوة الشهرية لمشروع “نوافذ” الثقافي والتي عُقدت مؤخراً في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) حملت عنوان “المسرح السوري في السنوات العشر الأخيرة”، إلا أن كلام المشاركين فيها امتد وتشعّب للحديث عن المسرح السوري في فترات متعدّدة، وكان القاسم المشترك التأكيد على أن هذا الفن ما كان له الاستمرار لولا المخلصين الذين يعملون فيه بعيداً عن أي إغراء، وقد أجمع المشاركون في الندوة على أن المسرح السوري عبر مديرية المسارح والموسيقا لم تتوقف عروضه في سنوات الحرب، وقد سانده الجمهور بحضوره الكثيف، لذلك طالب المشاركون بضرورة دعمه ومساندته لأنه الفن الأنبل وحتى لا نصل إلى مرحلة تفتقد خشبته من يقف عليها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي باتت لا ترحم أحداً.
المسرح الشعبي
شارك في الجلسة التي أدارها الإعلامي إدريس مراد الفنانتان المسرحيتان أمانة والي ورنا جمول والكاتب المسرحي جوان جان والناقد المسرحي نضال قوشحة الذي تناول في مشاركته ما يُسمّى بالمسرح الشعبي من خلال تجربة الفنان أيمن زيدان، مبيناً أن العروض الشعبية بدأت مع أبو خليل القباني عام 1871 ومع الفرق التي تأسّست بعده، لتكون المرحلة المفصلية في مسيرة المسرح السوري عام 1960 بتأسيس مديرية المسارح والموسيقا والتي كان أول مدير لها الفنان نهاد قلعي، وكانت تقدّم إلى جانب المسرح الشعبي عروضاً تنتمي لتيار مسرحي جديد هو المسرح الجاد الذي يقدم كلاسيكيات المسرح العالمي، وقد قاد هذا التيار المسرحي المخرج د. رفيق الصبان. وأشار قوشحة إلى أن صراعاً نشأ بين الصبان وقلعي الذي كان يقود التيار الشعبي إيماناً منه بضرورة أن يكون المسرح مرآة لمعاناة الناس وأحلامهم من خلال تقديم نصوص محلية، فتكرّس التياران لسنوات، لكنهما لم يتقاطعا إلى أن أتى الفنان أيمن زيدان ليقدم مسرحاً هو مزيج بين الاثنين، فكان مسرحاً شعبياً راقياً يعتمد على مواضيع المسرح الشعبي بشكل المسرح الجاد بعد كسر العديد من القواعد فيهما، وتعامل زيدان مع نصوص الكاتب الإيطالي داريو فو، حيث أخذ منها مسرحية “لا تدفع الحساب” وقدمها باسم “سوبر ماركت” و”اختطاف “و”فابريكا” عن نص للكاتب الصربي برانسلافنوشيتش، وقد حققت مسرحيات زيدان نجاحاً كبيراً.
ورأى قوشحة أن أحد الأسباب التي أدّت إلى هذا النجاح اعتماد أيمن زيدان على ما سمّاه داريو فو “المهرج الملحمي” الذي يعني أن الممثل هو العنصر الأهم في المسرحية والذي يجب أن يتمتّع بمواهب خارقة في الفن والتواصل مع الجمهور، منوهاً بأن أيمن زيدان لخّص أهمية هذه المسرحيات وهدفها حين قال: “هي حالة مسرحية بسيطة تحاكي أوجاع البسطاء وآمالهم، وقد أحببنا أن نعرضها بكل بساطتها وحيويتها كي يأتي الناس باختلاف شرائحهم لمتابعتها، وحتى نجعل من المسرح حالة اجتماعية وليست فنية وحسب، وأنا أتابع مشواري الصعب بحثاً عن صيغة لمسرح قريب من الناس، يحمل بعضاً من أوجاعهم وأحلامهم”.
محطات
ورأى الكاتب جوان جان أن الحركة المسرحية السورية خلال السنوات العشر الأخيرة هي امتداد لمسيرة المسرح السوري الذي أصبح عمره اليوم 150 عاماً، متوقفاً عند المحطات التي جاءت بعد العام 1960 وأولها مهرجان دمشق المسرحي الذي انطلقت دورته الأولى في العام 1969 وكان من أهم أهدافه تعريف الجمهور السوري على العروض المسرحية العربية التي كان يجهلها في ظلّ عدم وجود وسائل التواصل التي يمكن من خلالها اليوم التعرف على ما يُقدّم عربياً في المسرح، فكانت دورات المهرجان المتتابعة فرصة حقيقية ليشاهد جمهور المسرح الدمشقي تجارب مسرحية عربية وأجنبية، مؤكداً أن هذا المهرجان توقف أكثر من مرة، كان آخرها بسبب الحرب على سورية، مبيّناً أن المحطة الثانية المؤثرة في مسيرة المسرح السوري كانت من خلال تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1977، مشيراً كذلك إلى دور فرق المنظمات الشعبية في الحركة المسرحية كمسرح العمال والمسرح الجامعي ومسرح الشبيبة، وهي مسارح انطلق منها عدد كبير من نجوم الدراما فيما بعد. وأكد جان أنه في سنوات الحرب لم تتوقف مديرية المسارح والموسيقا عن إطلاق مشاريعها المسرحية كمشروع دعم مسرح الشباب في العام 2017 وكان الهدف منه استقطاب الهواة المميزين إخراجياً، كما أطلقت المديرية مسابقة للنصوص المسرحية الشابة بعد أن أصبحت الكتابة المسرحية فناً منقرضاً في ظل غياب الكتّاب وعدم وجود أجيال جديدة تكتب للمسرح، كما شهدت الحركة المسرحية ولادة مهرجانات مسرحية كمهرجان الحسكة ومهرجان السويداء ومهرجان المونودراما في حلب.
العلاج بالمسرح
من جهتها أشارت الفنانة رنا جمول في مشاركتها، وهي التي لم تنقطع عن الوقوف على خشبة المسرح خلال فترة الحرب، إلى أن فناني المسرح واجهوا الحرب من خلال الأعمال التي شاركوا فيها، وأن العمل في المسرح كان نافذة للضوء بالنسبة لها، لذلك شكّلت مع المخرج مأمون خطيب فريق عمل كان حريصاً على تقديم أعمال من وحي ما يحدث، فكانت مسرحية “نبض” التي تحدثت عن الشهداء ومأساة الأمهات ومسرحية “زيتون” التي تحدثت عن الهجرة، وكذلك كانت مسرحية “اعترافات زوجية”، إضافة إلى مسرحية “زبيب” التي قدمتها مع المخرجة نسرين فندي، ولم تخفِ جمّول أن العمل في المسرح كان بمثابة ملاذ وعلاج، ووسيلة من وسائل المقاومة بالنسبة لها.
دعم الدولة
وتحدثت الفنانة أمانة والي عن تأثير المسرح على المتلقي وكيف أنه متنفّس ثقافي وإنساني، والرقابة فيه منفتحة بشكل كبير، وكيف أن دخولها إلى المعهد العالي للفنون المسرحية جعل التصاقها بالمسرح كبيراً نظراً للخصوصية التي يتمتع بها، وهي الاحتكاك مع الجمهور الذي يعطي الممثل طاقة كبيرة، مشيرةً إلى أنها قدمت نصوصاً مهمّة مع المخرجين مأمون خطيب وهشام كفارنة وأيمن زيدان، وقد حاولت عندما استلمت إدارة المسرح القومي في فترة الحرب العمل على تقديم أعمال مسرحية كوميدية، لأن الكوميديا برأيها كانت اللغة الوحيدة التي يحتاج إليها الجمهور آنذاك، كما ساهمت حينها في قراءة النصوص المسرحية وعاصرت تجربة المخرجين الشباب من خلال مشروع دعم مسرح الشباب.
المحبّون فقط
وفي مداخلة له قال المخرج المسرحي مأمون خطيب إن من واجب الدولة دعم المسرح، فأبناء المسرح حريصون على استمراره، ومن يعمل فيه هم المحبون فقط الذين قدموا تجاربهم في فترة الحرب ليستمر المسرح وللتأكيد على أننا موجودون وفاعلون.
أمينة عباس