الحرائق كشفت هشاشة التدابير الاستباقية.. ومطالبات بإعادة النظام البيئي
حماة – ذُكاء أسعد
ما حصل مؤخراً من حرائق طالت مساحات واسعة من غطائنا الأخضر بشقيه الحراجي والزراعي كشف هشاشة الإجراءات الوقائية والتدابير الاستباقية الضرورية لدرء نشوب النيران، وهذا ما تجلّى -للأسف- في حرائق الأسبوع الماضي التي تسبّبت بأضرار مادية جسيمة طالت الأشجار الحراجية والمحاصيل الحقلية وبساتين الزيتون وبعض المعدات الزراعية، وامتدت ألسنة اللهب على مساحات شاسعة من الغابات والأراضي الزراعية وأفقدتها تنوّعها الحيوي البيولوجي، إضافة إلى أضرار بيئية واقتصادية وآثار اجتماعية جراء اضطرار بعض القاطنين في المنازل المجاورة لإخلاء منازلهم تفادياً لمخاطر النيران المندلعة بضراوة.
وإذا كان المشهد مؤلماً ودامياً، فإن العبرة من الحريق أكثر من ضرورية للوقوف على مدى كفاءة وفاعلية الإجراءات المتخذة سابقاً، وما المطلوب لاحقاً للحفاظ على هذه الثروة الطبيعية الثمينة؟.
مدير بحوث ورئيس مكتب العلاقات العلمية في الهيئة العامة للاستشعار عن بعد الدكتور محمد العبد أشار بوضوح إلى التدمير الكبير الحاصل للأنظمة البيئية في الغابة، كتضرّر الغطاء النباتي، حيث تسبّبت الحرائق بتدمير هذا الغطاء من خلال فقدان العديد من الأشجار المعمّرة التي تصل أعمارها إلى مئات السنين، كما أدّت الحرائق إلى تضرّر التربة، ولاسيما أنّ تربة الغابة تتكوّن من مواد غذائية متحلّلة من بقايا نباتية وحيوانية وكائنات حيّة دقيقة تعيش في التربة تقوم بتحليل هذه البقايا، فعندما تكون الحرائق قوية يمكن أن تسبّب تغييرات كيميائية للتربة، وضرر هذه الكائنات الحية، موضحاً أن الحرائق تؤدي إلى إزالة النباتات مما يسبّب تعرية سطح التربة، وبالتالي تعريضها للانجراف المائي، بالإضافة إلى أن استخدام رجال الإطفاء كميات كبيرة من الماء وبشدة قويّة عند إخماد الحرائق يؤدي لتفكّك حبيبات التربة وهذا ما يسرّع من نقلها بالانجراف المائي.
ولفت مدير البحوث إلى تأثير الحرائق على المياه الجوفية والسطحية في مناطق الحريق، فعند إزالة الغطاء النباتي نتيجة الحرائق تصبح التربة عارية مما يساعد على نقل التربة بالجريان السطحي وترسيبها في الوديان وأسفل المنحدرات أو ضياعها في البحر، كما حدث بأمطار أيار 2018 التي أدّت الى جرف كميات كبيرة من ترب الساحل ونقلها مع مواد عضوية وغير عضوية تسبّبت بتلوث الأجسام المائية من وديان وأنهار وعكارة شاطئ بانياس عدة أيام، إضافة إلى إمكانية تلوث الهواء بسبب الأدخنة المتصاعدة والمُحمّلة بجزيئات الرماد الصغيرة، وأكاسيد الكربون والنيتروجين والكبريت، ما يسبّب صعوبة في التنفس وبالتالي مشكلات صحية خطيرة للبشر الذين يعانون من الحساسية وغيرها من المشكلات الطبية، ونظراً لكميات غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تطلقها فإن حرائق الغابات تعدّ أحد العوامل التي تساهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، مع تدمير النظام البيئي للغابة وموت الحيوانات البرية أو هجرتها، حيث لا يتبقى من الغابة سوى الرماد وبعض الأشجار المتفحمة ما يجعلها غير مناسبة للعيش نوعاً ما.
وطالب مدير البحوث بضرورة تركيز الجهود على إعادة النظام البيئي للغابة كما كان قبيل حدوث الحرائق ولو بالحدّ الأدنى، والتغلب على الأضرار عن طريق تطبيق عدّة إجراءات، أوّلها التحريج، فرغم قدرة الغابة على تجديد نفسها طبيعياً وصناعة مجتمع نباتي من الصفر للوصول إلى ما يُسمّى “الأوج”، إلا أنّه يجب إجراء التحريج بشكل فوري وعاجل، ولاسيما إذا علمنا أن قدرة الأشجار على تكوين غابة تختلف من نوع إلى آخر، فهناك أشجار قادرة على تكوين غابة خلال فترة 15 سنة، وهناك أشجار تحتاج إلى زمن أطول من ذلك، ويجب أن يتمّ التحريج في المناطق التي تعرّضت للحريق بشكل كبير، ويمكن ذلك من خلال حملات تشجير طوعية يشارك فيها الجميع.
يُشار إلى أن حماة كانت من أقل المحافظات بعدد الحرائق، بحسب تأكيدات مديرية الزراعة وهيئة تطوير الغاب، فقد بلغ عدد الحرائق الحراجية في مجال زراعة حماة 6 حرائق بمساحة 234 دونماً، و144 حريقاً زراعياً بمساحة 1717 دونماً. وجاءت تصريحات المهندس أشرف باكير مدير الزراعة لتؤكد انخفاض نسبة الحرائق هذا العام مقارنة بالعام السابق، نتيجة الإجراءات الوقائية المتّخذة للحدّ منها، أما في الغاب فقد بلغ عدد الحرائق حتى تاريخه 21 حريقاً حراجياً.