“التبدّلات المكانية وأثرها على الشخصية” في محاضرة ثقافية للأديب نعيم ميّا
اللاذقية- مروان حويجة
قدّم الأديب نعيم ميّا عضو اتحاد الكتّاب العرب في محاضرته الثقافية الحواريّة “التّبدّلات المكانيّة وأثرها على الشّخصيّة”، في دار الأسد للثقافة، مقاربات توصيفية وتحليلية عديدة حول مفهومي المكان الزّمان، والهويّة، وتوقّف عند مفهوم الشّخصيّة، والمؤثّرات في بنائها وتشكيلها، ومفهوم التّغيّر والثّبات، وأهميّة الأمن والاستقرار للفرد والمجتمع وانعكاس حياة التّنقّل على الشّخص، وتوقف عند الوطن كمفهوم ثابت بتغيّر المكان.
وبيّن ميّا أنّ مفهوم المكان عند أهل الّلغة هو الموضع الحاوي للشّيء، أمّا مفهوم الزّمان فهو قياس للتّغيّر الّذي يحصل داخل ما نعرّفه بالمكان، أي مجموعة التّغيّرات الّتي تكوّن حياتك، خلال وقتٍ ما ومكانٍ ما، فالزّمان لا يمكن إدراكه على الرّغم من التّسليم بوجوده، لأنّ الماضي لا يمكن استيعابه أو الاحتفاظ به، والمستقبل لم يأتِ، أمّا الآن والحاضر فهو الّذي يمكن إدراكه من الزّمان للحظات معدودة.
وأوضح أنّ تغيّر الزّمان سيؤدّي إلى تغيّر في السّلوك وتغيير الهُويّة وتطرق إلى مفهوم الشّخصيّة بوصفها مجموعة من السّمات الّتي تكوّن الفرد، وتبقى محور الجدل بين الزّمان والمكان، وكلّ تعدُّد في الشّخصيّة يجعلها أكثر عرضةً للتّشوّه، لكنْ تبقى الشّخصيّة في الوقت عينِه قادرةً على إعادة تشكيلها لنفسها وذاتها من جديد وفق ما تتعرّض له من مؤثّرات: الدّين– الّلغة– القيم– العادات– التّقاليد.
ويرى ميا أنّ مفهوم الشّخصيّة والهُويّة ليس مفهوماً ثابتاً ولا مستقرّاً، بل هو مفهوم قلقٌ يتغيّر بتغيّر الزّمان والمكان، وهذا المفهوم من التّغيّر والتّبدّل ليس مجرّد إضافات بقدر ما هو من مكوّنات الشّخصيّة الكليّة “لمجتمع”، مؤكداً أنّ التّغيّر والثّبات محوران أساسيّان في حياة البشر بل في الحياة كلّها، والتّغيّر الاجتماعيّ ظاهرة ملموسة ومستمرّة دون توقّف، فالمجتمع بطبيعته متغيّر غير ثابت ولا مستقرّ.
ويبقى التّغيّر الاجتماعيّ اليوم -وفق رؤية ميّا- أكثر اختلافاً من حيث الشّكل والمضمون من ذي قبل، إذ نجد أن انتشار وسائل التّواصل ساهم بشكل أو بآخر في عمليّة تحقيق عمليّة التّغيّر الاجتماعيّ.
ورأى ميّا أن التّغيّر الاجتماعيّ قد يؤدي إلى تغيّر سلبيّ على النّاشئة، إذ نلحظ البعض يتحوّل (نتيجة ثقافة التّغيّر المكانيّ) إلى تجّار فرصٍ، حيث النّصب والاحتيال والغشّ وعدم التزام القيم والمبادئ، فتصبح الشّخصيّة غير متوازنة وغير عقلانيّة، ومن الانعكاسات الخطرة تعزيز مفهوم الدّوائر الضّيّقة الّتي نسعى عبر نشر الثّقافة والمعرفة والوعي إلى إزالتها فلا طائفيّة ولا مذهبيّة ولا مناطقيّة، وكذلك نجد انتشار الاكتئاب والقلق بين العديد من الأفراد نتيجة عدم الاستقرار وعدم وضوح الرّؤية المستقبليّة. وأضاف: كما يمكن لنا أنْ نقول بالمقابل إنّ البعض يعمل على تعزيز مفهوم الانتماء والتّعلّق نتيجة التّغيّر المكانيّ، إذ نلحظ التّمسّك بالأرض والعادات والتّقاليد، كما نرى ازدياد الشّعور الوطنيّ وتبلوره.
وتحدّث عن الوطن كمفهوم ثابت بتغيّر المكان، مؤكداً أنّه لا بدّ من أنْ ننظر بإمعان إلى مفهوم الحبّ والولاء والانتماء والتّعلّق، عندها فقط نُدرك مفهوم الوطن بوصفه مجموعة القيم والمبادئ، وليس مجرّد حبّ ظاهري، وليس التعلّق بالمظاهر المادية، إنّه تجسيد لكل القيم السامية النبيلة، وكلّ ما يعبّر عن الانتماء والهويّة والقيم الوطنية.