سلوك أمريكي مخزٍ
علي اليوسف
ليس مستغرباً أن لا تمدد الولايات المتحدة الأمريكية الإعفاء “المزعوم” من العقوبات الذي سمح بالمعاملات المباشرة مع الدولة السورية لمدة 180 يوماً بعد الزلزال بهدف ما سمي “تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى سورية”، والذي انتهى في 8 من الشهر الحالي بموجب الرخصة العامة رقم 23. وعليه فإن عدم تمديد الرخصة العامة، وكذلك رفع العقوبات الجائرة عن سورية، لا يمكن تبريره بالحديث عن النوايا والأهداف الحسنة للعقوبات أحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة والغرب الجماعي.
في الحقيقة، جاء قرار عدم تجديد الرخصة نتيجة ضغط الدولة العميقة، ما يعني الإصرار الأمريكي على العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل الزلزال. ورغم أن التعليق المؤقت، أو الاستثناء المؤقت، لم يتجسدا إطلاقاً على الأرض، ولم يسلكا طريقهما إلى التطبيق عملي، ختى فيما يخص الاحتياجات الإنسانية المباشرة، ولا سيما أدوية الأمراض المزمنة، فإن العرقلة الأمريكية لأية جهود من شأنها إنقاذ حياة السوريين، لم تتوقف، وكان الالتفاف على كل ما من شأنه إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري سياسة أمريكية معلنة وسافرة.
إذاً من المخزي أن تنتهج الإدارة الأمريكية هذا السلوك في الوقت الذي يعاني فيه الشعب السوري أشد أنواع الحصارات في العالم، إذ كان المأمول أن يتم رفع العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب المفروضة على سورية بدلاً من الإسفاف في اتخاذ قرار عدم تجديد الرخصة العامة، والإبقاء على معاناة الشعب السوري بدلاً من إعادة النظر في هذا الموقف اللا إنساني لرفع الإجراءات التقييدية المعمول بها ضد سورية.
لذلك لا يعتقد المشّرع الأمريكي أنه قدم واجبه بإعفاء الدولة السورية من العقوبات 180 يوماً، بل على العكس تماماً فقد أدرك السوريون مبكرا أن هذا “الكرم” الأمريكي لن يطال ولم يطل سوى المجموعات الإرهابيية، وهي لم تصل إلى من تضرر في حلب واللاذقية وباقي المحافظات التي تأثرت بالزلزال، أي أن “الإعفاء” أساء لمعنى الجهود الإنسانية، خاصة مع منع التبرعات المالية من الوصول إلى المتضررين الحقيقيين من الزلزال. وقد شهد العالم تعطيل تدفق مساعدات الأمم المتحدة من قبل الإرهابيين الموالين لتركيا والولايات المتحدة، بسبب طلب الدولة السورية إيصال المساعدات بالتنسيق معها وتسليمها من داخل سورية وليس عبر الحدود التركية إلى مناطق الإرهابيين، الأمر الذي تمت المساومة عليه من قبل الطرف الأمريكي بطلب فتح جميع المعابر الحدودية لدخول المساعدات، وهو ما رفضته الدولة السورية لأنه انتهاك للسيادة الوطنية بحسب الأعراف الدولية، وحتى هذه الأعراف لم تعترف بها الولايات المتحدة وأدخلت هذا الملف الإنساني في دهاليز مجلس الأمن في لعبة رخيصة جداً كشفها الفيتو الروسي.
صحيح أن الارتدادات الإنسانية لتبعات الزلزال زادت من معاناة السوريين، لكن ما زادها أكثر هو أثر التدابير القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية، وتحديداً على الوضع الإنساني لبلد يكافح لإعادة بناء حياة كريمة بعد حرب امتدت لعقد من الزمن تم خلالها تدمير أكثر من نصف البنية التحتية الحيوية بالكامل أو تضررها بشدة، لتأتي العقوبات أحادية الجانب على القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء والتجارة والبناء، بهدف وتقويض الجهود نحو التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار ليكون حقاً سلوك مخزٍ آخر تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية.