معركة الوعي وجدل الداخل والخارج
أحمد حسن
بتوقيته وموقعه وملابساته، لم يكن استشهاد أكثر من عشرين جندياً سورياً، نهاية الأسبوع الماضي، بكمين غادر من تنظيم “داعش” الإرهابي، إلاّ دليلاً آخر على القرار الأمريكي بالتصعيد الفاجر والدموي في سورية.
والأمر، فإن حرية الحركة التي يتمتع بها هذا “التنظيم” الإرهابي في تلك المنطقة “المرعيّة” أمريكياً، إضافة إلى حقيقة عدم استهدافه – ولو مرة واحدة – قوات واشنطن التي تدّعي محاربته، لا يحتاجان لمن يقرأهما، وهذا يعني أن “استفاقته” الحالية، وجرأته البالغة هذه الأيام، ليستا إلاّ عملاً مقصوداً ليشكّل رأس حربة كفصيل أول من قوات الاحتلال الأمريكي تمهيداً لما هو أخطر – سواء على الحدود السورية العراقية أو في الداخل السوري – كما تشير عمليات التحشيد الكبرى، والمتسارعة، التي تقوم بها واشنطن لمرتزقتها في المنطقة.
وبالطبع، فإن واشنطن لا تحارب على ساحة واحدة، فبالتزامن مع إشعالها المنطقة عسكرياً سارعت إلى إشعال النيران، أيضاً، في الساحة السياسية، سواء عبر كبح جماح “بعض” ما بدا من انفتاح عربي على دمشق توّجته قمة “جدة”، أو عبر إعادة ضخ “بعض” الروح في الأحلام التوسعية السلطانية “الأردوغانية” من جديد، بالتوازي مع تغوّلها في ساحة العقوبات الجائرة وممارسة سياستها “التجويعيّةً” ضدّ الدولة والشعب.
وإذا كان اشتعال النيران الذي شهدناه مؤخراً في قواعد المحتّل غير الشرعية هو الرد الأول والرسالة الأبرز عن تبلور قرار “التحرير”، وذلك لن يتمّ إلا بالإجبار، أي “إقناع” المحتّل بأن كلفة احتلاله لن تبقى منخفضة للأبد، فإن مواجهة سياسة “التجويع” وهدفها المعلن – شق الصف الداخلي وتوهين العزائم وخلخلة الصفوف – هو تحديداً ما يبرز الأهمية القصوى لدور الداخل ومعركته التي تتوازى في الأهمية والأولوية، إن لم تكن تزيد، مع معركة الخارج، خاصة وأن خيطاً رفيعاً للغاية يفصل بين مسائل الداخل وقضاياه ومشاكله ومطامح الخارج، مع ضرورة الأخذ بالاعتبار حقيقة جليّة مفادها أن خيط الوعي بهذا التشابك أصبح “رفيعاً” للغاية، أيضاً، في هذا العصر الذي استحال العالم فيه إلى قرية “فيسبوكية” صغيرة، تديرها مصانع معلومات كبرى لصنع الرأي وضخّه دون الرأي الآخر.
وفي هذا السياق، وأمام هذه “الحقيقة الجليّة” تحديداً، تبرز أهمية معركة الوعي – فيه وعليه – كما أهمية التحركات الداخلية نحو إيجاد حلّ مناسب ومعقول، لمصاعب الداخل المعيشية، وفق القدرات والإمكانيات، وبين هذه التحركات تبرز بعض الاجتماعات ذات الطابع الحزبي للاستماع وطرح المشاكل والحلول والتشارك فيها لاحقاً مع بقية الأطراف وصولاً للحكومة بحثاً عن أفضل السبل للتخفيف من وطأة ما يحدث، في ظل معرفة الجميع أن الإمكانات السورية، على قلتها هذه الأيام، قادرة، لو توفر لها الاستخدام الأمثل، على المواجهة والنهوض من جديد.
وربما كانت الخطوة الأولى في معركة الوعي هي استعادة “اهتمام” الناس وإشراكهم في المعركة، لأن قلة الاهتمام، أو لنكون أكثر دقة، اللامبالاة الشعبية، مؤشر خطر للغاية، وذلك يحتاج إلى شعلة دافعة تتمثل، في حالتنا، بإعادة “بعض” القدرة الشرائية لملايين السوريين، والتي كان، وما زال، أحد أهم أسباب ضعفها هو الميل إلى زيادة المستوردات وإهمال القطاعات المنتجة.
وإذا كان علم الإدارة يقول أنه لا يكفي أن تتّخذ القرار العلمي والعملي المناسب في قضية ما، بل لا بد من اتّخاذه في التوقيت الملائم أيضاً، فإن “توقيت” المواطن، هو، بألسنة الأغلبية أصحاب القوة الشرائية المتآكلة، والتي دفعت دمها لحماية الوطن، الآن الآن وليس غداً.
هنا تحديداً يبرز جدل الداخل والخارج بأبهى صوره وأبعدها مغزى وأعمقها معنى وأفضلها نتيجة.