الناتو يغرق أوكرانيا في حمام من دم
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
تواصل واشنطن بشكل محموم دفع نظام كييف لشن هجوم مضاد فاشل حتى لو تطلب الأمر القضاء على “آخر أوكراني”. من هنا من غير المستغرب أن تُحاط أرقام الخسائر الفعلية التي تكبدها جيش نظام كييف بالكثير من الكتمان، ولا عجب أيضاً من التزام رعاة حلف الناتو بالصمت حيال الخسائر الرهيبة، لأن القيام بذلك سيكون بمثابة اعتراف علني بالفشل الذريع لحربهم بالوكالة ضد روسيا، وسيستتبع ذلك رد فعل سياسي قوي من الرأي العام الغربي.
تشير البيانات الحديثة التي وردت مؤخراً، إلى أن حجم الخسائر التي تكبدها نظام كييف المدعوم من الناتو أعلى بكثير من تلك التي خسرتها روسيا، فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية – التي استشهدت بها شركة “انتل ريبابليك” عبر قناتها بموقع تلغرام- للمقابر المحفورة حديثاً في الأراضي الأوكرانية مقتل ما لا يقل عن 400000 عسكري في معارك مع القوات الروسية، إلا أنه لم يتم تسجيل الأعداد التي لا تحصى من القتلى الذين تم القضاء عليهم في ساحات القتال أو أولئك الذين تركهم قادة نظام كييف للتعفن.
في الآونة الأخيرة، تم تسريب مجموعة أخرى من تقارير قاتمة لوسائل إعلام أمريكية، تحدثت عن وجود 50 ألف من مبتوري الأطراف بين الجنود الأوكرانيين، وقد استندت التقارير على أعداد الأطراف الصناعية التي تم إرسالها من الشركات الألمانية المصنعة، وبالاستناد إلى هذا العدد من الإصابات، يمكن التأكيد على أن أعداد القتلى أعلى بكثير مما يتم ذكره.
وبالتالي، بناءً على التقارير الواردة حول أعداد مبتوري الأطراف من الجنود الأوكرانيين، أجرت وسائل إعلام أمريكية مقارنة مع أعداد الضحايا الذين سقطوا في الحرب العالمية الأولى التي تعتبر الأكثر دموية، لكنها لم تتطرق إلى مستوى العنف الذي تشهده ساحات المعارك في أوكرانيا. وبالتالي، إذا كانت المعارك في أوكرانيا قد أطلق عليها سابقاً “طاحونة اللحم”، فسيكون من الدقة الإشارة إلى البلاد على أنها حمام دم.
في الواقع، ما يتجاوز الاستغراب هو أنه كان من الممكن تفادي الصراع والعنف والموت، ومع ذلك اختارت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون في الناتو تجاهل جميع نداءات روسيا للتفاوض من أجل التوصل إلى حل سياسي يبدد مخاوف موسكو الأمنية الاستراتيجية المحقة، والتي تتعلق بتوسع الناتو نحو الشرق وتسليح نظام كييف. بطبيعة الحال، تم رفض الجهود الدبلوماسية لموسكو في كانون الأول 2021، أي قبل شهرين من تصعيد الأعمال العدائية، وقبل ذلك، استمر تسليح نظام كييف لمدة ثماني سنوات بعد أن دعمت وكالة الاستخبارات المركزية الانقلاب في عام 2014 ضد رئيس منتخب ديمقراطياً.
منذ اندلاع الصراع في أوكرانيا في شباط عام 2022، عندما تدخلت روسيا للدفاع عن مصالحها الحيوية، صعَدت كتلة الناتو من حدة العنف المتعمد، من خلال تزويد نظام كييف بأسلحة متطورة، حيث أرسلت واشنطن ما يصل إلى 50 مليار دولار كدعم عسكري لنظام كييف. وبالمثل، قامت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأعضاء آخرون في حلف شمال الأطلسي بإرسال كميات لا حصر لها من الأسلحة، بدءاً من الدبابات إلى صواريخ كروز.
والأكثر من ذلك، رفضت الإدارة الأمريكية للرئيس جو بايدن أي اقتراح للتفاوض على وضع حد للصراع مع روسيا، وقد اتبع الزعماء الأوروبيون بخنوع، جنون واشنطن وإجرامها في إحباط أي حل دبلوماسي.
جدير بالإشارة أن الإدارة الأمريكية تتبع هذا النهج، على الرغم من استطلاعات الرأي التي أظهرت أن معظم الأمريكيين والأوروبيين يعارضون استمرار تسليح نظام كييف، حيث يشعر الرأي العام الغربي وشعوب العالم الأخرى بالرعب من تحول الحرب بسبب المجازر التي تُرتكب، وخطر إراقة الدماء إلى حرب شاملة بين القوى النووية، والتي ستكون بلا شك كارثية على نطاق عالمي.
ترافقت الحرب في أوكرانيا، بحملة إعلامية مضللة، غذتها وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية بالأكاذيب الممنهجة، وقد تحولت “المعلومات الإخبارية” لدعاية حرب صارخة من قبل الأعضاء الحائزين على جائزة بوليتزر، حيث تم تشويه منشأ الصراع وتم إخفاء الطبيعة النازية لنظام كييف بشكل دؤوب.
من الواضح، أنه لم يكن أمام أوكرانيا فرصة للنصر على القوات الروسية المتفوقة، ومع ذلك، منذ البداية انغمست وسائل الإعلام الغربية في الوهم القائل بأن الناتو “يدافع عن الديمقراطية من العدوان الروسي” والادعاء بأن الجانب الذي يقف معه الناتو سيفوز في النهاية، ثم روجت هذه المنافذ للوهم التالي المتمثل في “هجوم مضاد يغير المد”.
من الواضح أن الهجوم المضاد الذي بدأه حلف شمال الأطلسي بالقتال في بداية حزيران الماضي مني بالفشل الذريع، فلم تتأثر الدفاعات الروسية حول الأراضي في منطقة دونباس وزابوروجيا باموجا المتتالية من الهجمات، بينما تقدر الخسائر العسكرية الأوكرانية بنحو 43000 في الشهرين الماضيين فحسب.
حقيقة الأمر، دفعت الولايات المتحدة وشركاؤها في الناتو نظام كييف للشروع في هجوم مضاد انتحاري، لاستخدام الجنود الأوكرانيين كعتاد للمدافع، هذا على الرغم من أن القادة الأمريكيين والأوروبيين كانوا يعرفون أن الفشل هو مصير الهجوم المضاد الأوكراني، حيث اعترفت تقارير في صحيفة “نيويورك تايمز” وغيرها من المنافذ الرئيسية بخجل بذلك.
يسعى الرئيس بايدن إلى إعادة انتخابه العام المقبل، والحقيقة التي لا مفر منها هي أن الدم يقطر من يديه بسبب الهمجية في أوكرانيا، فالحرب التي بلغت في وحشيتها وقسوتها نطاقاً اسطورياً بحق، وخاطرت بتهور بحرب نووية مع روسيا، تظهر خبثاً سياسياً وعسكرياً ورجساً أخلاقياً لواشنطن وأتباعها الأوروبيين.
فقد كشف وزير الخارجية المجري بيتر زيجارتو مؤخراً، أن نظراءه في الاتحاد الأوروبي يحسبون دون مبالاة أن الحرب في أوكرانيا قد تستمر لمدة أربع سنوات أخرى! وهؤلاء القادة الأوروبيون مستعدون لمواصلة دعم نظام كييف بأموال إضافية تصل إلى 20 مليار يورو، بسبب تبعيتهم لأهداف واشنطن الإمبريالية، التي تسعى لمواجهة موسكو بهدف تعزيز هيمنتها المتضائلة، فضلاً عن الدور الشنيع الذي يلعبه رهابهم اللاعقلاني من روسيا.
من المؤكد أن الأنظمة الغربية التي لا تخضع للمساءلة أمام شعوبها، هي المسؤولة عن هذه الحرب الإجرامية التي صنعت هذه الحقبة من تاريخ أوكرانيا، وحيث يواجه بايدن وشركاؤه الأوروبيون معضلة كبيرة من صنيعتهم، لا يمكنهم الاعتراف بالهزيمة بسبب الدمار والموت، ولذا يصرون على أن تغرق أوكرانيا بشكل أكبر في حمام من الدم.
يقول مراقبون، أنه على يتعين على بايدن وأتباعه الغربيون، بما في ذلك المؤسسات الإعلامية، مواجهة المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب بدلا من مواجهة الناخبين قريباً.