تجارة “رائجة” و”رابحة”
معن الغادري
أسابيع معدودة تفصلنا عن العام الدراسي الجديد بكافة مراحله، وقد لا يختلف عن سابقه أو ربما العكس، وهو ما نأمله، لتجاوز الأخطاء والهفوات والتجاوزات المقصودة التي شابت العملية التعليمية، وخاصة في شقها الأخير “الامتحاني”.
ومع أن العملية التعليمية والتربوية تصدرت أولويات العمل الحكومي وتوفرت لها على الدوام كل سبل الدعم والنجاح، على اعتبار أنها الحلقة الأقوى في بناء الفرد والمجتمع، إلا أنها ما زالت الهاجس الأكثر ثقلاً وقلقاً على الأسرة، نتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية الضاغطة جداً، خاصة ما يتعلق بقطاع التعليم الخاص، مع تسلل الرأسمال الخاص بقوة إلى الاستثمار في التعليم، ما حوّل هذه المهنة السامية إلى تجارة رائجة ورابحة في المؤسّسات التعليمية الخاصة، التي يُثار حولها الكثير من الجدل واللغط وإشارات الاستفهام، لما تمثله من استثمار مالي بحت بعيد كل البعد عن الجانبين التربوي والتعليمي، وهي التي نمت وازدهرت تحت ضرورات الشراكة، والتي أفسد مضمونها وجوهرها دخول الكثير من هادفي الربح على خط التعليم والمعلم على السواء. وهنا مكن الخطر الذي يهدد هذه المنظومة التي نجلّ.
وإذا صح القول بأن المعلم أو المدرّس أو الأستاذ – أياً يكن اللقب – يحظى في كل المجتمعات بقيمة كبيرة ومرتبة اجتماعية، حتى قاربها أمير الشعراء، أحمد شوقي، مجازياً بمكانة الرسول (قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا)، فإن البعض يرى أن انحراف المؤسسة التعليمية “الخاصة” – في حلب خاصة – عن دورها الأساسي، أفقدها مصداقيتها ورسالتها من خلال الممارسات التي تضرّ بسمعة ومكانة “المعلم”، من خلال محاولاتها الدؤوبة ردف المعاهد والمدارس الخاصة المرخصة وغير المرخصة بطلاب من كافة المراحل الدراسية، مقابل مبالغ مالية وتسعيرة تنخفض وترتفع حسب المنطقة والحيّ. يُضاف إلى ذلك تواطؤ بعض الإدارات والمدرّسين ببيع الجلاءات المدرسية ووثائق التسجيل الدراسية وغيرها من الأمور المتعلقة بالمسألة التعليمية، والتي تخضع لرسوم مالية عالية تُضاف في المحصلة إلى المبالغ الخيالية التي تتقاضاها المدارس والمعاهد الخاصة من الطلاب والأهالي، والتي تضاعفت مؤخراً بصورة غير مألوفة، وهو ما بات يُشكّل عبئاً إضافياً على الأسرة لا يمكن تحمّله خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
ونعتقد أن القضية تستحق المتابعة والتدقيق والاجتهاد، وهي مسؤولية تقع على عاتق وزارة التربية في المقام الأول، وعلى مديرياتها في حلب وباقي المحافظات، لإيجاد حلول صارمة وجذرية من شأنها أن تعيد المكانة للمؤسسة التعليمية “الخاصة”، والتي هي جزء من هيبة ورصانة منظومة التعليم العام، وأن تضبط آلية عمل المعاهد والمدارس الخاصة بما يمكنها من تأدية رسالتها التعليمية الحقيقية بعيداً عن الجشع والمتاجرة، وأن تكون رديفاً حقيقياً للنهوض بالواقع التربوي والتعليمي الحكومي وليس العكس. ولعل الأهم أن تستبق الوزارة انطلاقة العام الدراسي الجديد بخطة عمل شاملة وواسعة لا تخلو من محاسبة لكل من حاول الإضرار بسمعة ومكانة التعليم العام والخاص على السواء، و الأمثلة والشواهد على ما سبق يكثر تعدادها في حلب، فهل وصلت الرسالة؟!