أسلاك شائقة.. واقعية فنية بامتياز
لم تكن القراءة النقدية التي قدّمها الناقد أحمد علي هلال للمجموعة القصصية “أسلاك شائقة” لـلأديب الدكتور محمد عامر مارديني في المركز الثقافي العربي في المزة مؤخراً إلا تتويجاً لسلسلة من الاحتفاءات الثقافية بهذا الكتاب الذي ينتمي لما يُسمّى بالأدب الساخر، إذ أكد هلال في تصريح لـ “البعث” أن الاحتفاء بهذه المجموعة يشكل رغبة في اكتشاف نمط جديد من الكتابة الساخرة يقوّض ما استقر في وعي المتلقي وزحزحة السائد فيه، وكذلك من باب الفضول المعرفي لا الترويج لأهميته، حيث يسعى القراء إلى معرفة طريقة التناول، وما الذي تضيفه هذه المجموعة أو غيرها في سياق متغيّرات الجنس الإبداعي، لأن كل قراءة – برأيه – هي قراءة جديدة لتحرير المعنى في مفهوم الأدب الساخر من خلال مواكبة النقد لها وتفاعله بعيداً عما علق في الذاكرة الثقافية من التباسات صريحة حوله، خاصة وأن قلة هم من يكتبون في هذا النوع من الأدب باعتباره استحقاقاً إبداعياً عليه أن يقنع من أجل التأثير المحتمل بعيداً عن استسهال ومجانية لا مبرّر لها، وهذا برأيه يتطلّب ثقافة عميقة من أجل إبداع مغاير في ظل ما يقال تندّراً من أن الواقع أصبح ساخراً، لكن تلك ليست هي المشكلة برأي هلال بقدر ما يحتاج هذا النوع من الأدب إلى غوّاص ماهر وصائد محترف لما يفيض به الواقع، فضلاً عن أن يكون هذا الغواص رائياً ومحفزاً على طريقة التفكير والتعبير.
طريقة جديدة في الأدب الساخر
وبيّن هلال بأن د. مارديني يستأنف في “أسلاك شائقة” شواغل القصة القصيرة بنزوع جليّ إلى ثيمة السخرية على الرغم من أنه لم يعنون المجموعة بجنس سردي هو القصة القصيرة، بل دفع بها لتبدو نصوصاً مفتوحة قابلة للتأويل من جهة القارئ عبر لغته الواضحة وعناوينه الموحية، ليضع قارئه المحتمل في النص عبر نصوص تفاعلية تبدّت بحوافزها الواقعية والجمالية، وبأدبيتها الأثيرة ومكوّناتها الواقعية والاجتماعية بما ذهبت إليه من محاكاة للمسكوت عنه مجتمعياً وسلوكياً، لتؤدي قصصه بمناخاتها السردية وظيفة مغايرة لما اعتدنا عليه من مقومات الأدب الساخر بذهابها إلى استثارة موقف القارئ واستجابته الجمالية بعيداً عن اختزال سردياته بوظيفة محدّدة هي الإضحاك بما حملته من حساسية نقدية تجاه جملة من الظواهر، لتصبح واقعية فنية بامتياز عَمِلَ كاتبُها على تقديم سرد موضوعي يحرّض الأفكار بطريقة وأسلوب لافتين عبر جملة من القصص المختلفة والمتنوعة بخطاب مقولاتها وأشكال بنائها الفني وخصوصيات تعبيرها، ليقف على استجابة القارئ لها بإيحاءاتها وإسقاطاتها، بدءاً من العنوان الذي يكثّف المعنى في قصص مارديني بتشكيلها للوعي ومناهضة السلبيات عبر مقاربات مضمونية تعني نقدياً جماليات القبح ليحاكيها بوصفه قاصاً يجهر بطريقة جديدة لتصور الأدب الساخر ومقاربة علائقه النصية بما يجترحه من أشكال المغامرة السردية التي تذهب خارج صرامة النظرة إلى القصة القصيرة الساخرة.
وأوضح هلال أن هذه المجموعة وهي أحدث شواغل الكاتب وبوصفها طريقة في تأمل الأدب الساخر وبمستويات واقعية حدّ التماهي والاختلاف بآن معاً ستحدث لدى تلقيها صدمة إيجابية، ليس على مستوى الشكل الفني بل بالمضمون الذي تقدمه، مؤكداً أن قصص المجموعة بنزوعها الواقعي وقدرتها على استثارة وعي القارئ ستثير جملة من الأسئلة التي تعني دلالة الأدب الساخر ومستوياته القادرة على التشويق بعيداً عن مجرد الاستجابة العاطفية له.
معني بالقارئ
وقد حرص الكاتب د. مارديني على حضور الجلسة التي كانت مدرجة ضمن برنامج المركز الثقافي قبل توليه منصب وزير التربية، كما كان حريصاً على حضور ما سبقها في المراكز الثقافية كمستمع ليستفيد – كما قال – من النقد وقرأ في بداية الجلسة قصة “خطبة وطنية” من مجموعة جديدة له لم تنشر بعد، مبيناً أنه وإن استقى بعض قصصه من الواقع إلا أنه أضاف عليها الكثير وأنه معنيّ بالقارئ الذي يعيد قراءة نصوصه ويدرك مغازيها، تاركاً التجنيس للنقاد وأدوارهم المعرفية،
أمينة عباس