محطات من حبر وحب
سلوى عباس
مشاعر متداخلة من حزن وفرح تنتابني مع كل عيد للصحافة حيث يتوقف العمر على حافة لحظة نرى أنفسنا وقد أغرقتنا الحياة في مشاغلها، وجرفتنا في متاهاتها، خاصة وأننا كصحفيين تتطلب مهنتنا الشاقة والممتعة المتابعة المستمرة لما يجري من أحداث وقضايا تهم الناس، فنقضي النهار في البحث والاستقصاء، لتغرقنا هذه القضايا في تفاصيلها حتى أننا كثيراً ما نتمنى لو نستطيع أن نسرق بعضاً من الوقت لنريح أجسادنا المتعبة، لكن المشاغل تسرقنا حتى من لحظات النوم التي نحتاجها، فالحياة تسير بسرعة ولا تنتظر أحداً، وفي لحظة يحضرنا السؤال: أين نحن في هذه الزحمة من أنفسنا، ومن أرواحنا التي تحتاج فسحة من الراحة لتحافظ على حيويتها وتجددها لتستطيع متابعة المشوار؟ ربما هذا الإحساس لا نعيشه إلا عندما يأتي من يقدم لنا فرصة أن نسرق من الزمن لحظات نعيشها بعيداً عن مشاغل العمل وتراكمات الحياة، لحظات نشعر فيها بإنسانيتنا التي نسيناها في زحمة انشغالنا.
في كل عيد للصحافة كنا نغتنمها فرصة لنسرق بعض الوقت من هموم العمل ومشاغله، ونستعيد بعضاً من تواصلنا الاجتماعي والروحي مع زملائنا في المنابر الإعلامية الأخرى، هذا التواصل الذي غفلنا عنه بعد أن أخذنا العمل حتى من أُسرنا، فيكون لقاؤنا فسحة تتسم بطابع المرح والمتعة نشعر من خلالها كم نحن بحاجة لأن نلتقي مع بعضنا بين الحين والآخر، لنتزود ببعض الطاقة التي تجعلنا نعود إلى عملنا بتجدد ونشاط.
الآن اختلف هذا العيد بملامحه عن السنوات السابقة وأصبح يأخذ طابعاً احتفالياً شكلياً لا يأتي بجديد، كل عام يشبه العام الذي قبله، فأي عيد للصحافة والصحفيين في ظل المعاناة والركض وراء لقمة العيش، وكيف للصحفي أن يكتب ويكون مخلصاً لقلمه وشغفه الصحفي والقلق على أولاده وتأمين قوتهم اليومي يقض روحه. ومن المحزن حقاً، هذا العام، أن يحتفل الصحفيون بعيدهم والمرارة تأكل قلوبهم، وقد ارتسمت على ملامحهم قسوة الحياة دون أن يعبأ أحد لمتاعبهم وما يشغلهم، وما يزيد الطين بلة تلك التصريحات المقيتة والمكرورة التي يتوجه بها المسؤولون والتي حفظناها عن ظهر قلب، كمعايدة يعبرون من خلالها عن فخرهم بالإعلام الوطني والعاملين فيه الذين نقلوا الحقائق إلى العالم أجمع حول ما تتعرض له بلادنا من حرب استهدفت وما تزال البنى التحتية للدولة وحاجيات المواطن الأساسية ولقمة عيشه، وأن الإعلام الوطني شريك حقيقي في البناء وإعادة الإعمار والنهوض بالواقع الحالي إلى المستوى الذي يلبي الطموحات الوطنية وبناء سورية المتجددة، دون أن يتوقفوا لحظة أمام حال هؤلاء العاملين في الإعلام وماذا قدموا لهم ليكونوا فعلاً شركاء حقيقيين في بناء الوطن.
في هذه اللحظة التي أتابع فيها احتفاء زملائنا بعيد المهنة المتعبة والممتعة، أقف مع نفسي حائرة لا أعرف ماذا أقول عن العمر الذي سُرق مني ومن زملائي ونحن نغوص في قاع محبرة ظنناها من ضياء، وأي عمر هذا الذي يكسر أقلامنا وينهي أحقية رائحة القهوة من مكاتبنا واجتماعنا مع زملائنا وأصدقائنا، إذ نرى أنفسنا مجبرين على تلويحة وداع لمنابر أحببناها حد الوله، وعشقنا فيها الحرف والكلمة والبوح الذي انداح على صفحات صحفنا حبراً حُبّرت يراعنا من محبرة نداه، ليقطر مع الفجر قطرات لعطش أفئدة الأزاهير العاشقة للقراءة والثقافة والجمال لما تفيض به سواقي الحياة من فكر ومعرفة، ودون أن ندري على أية غيمة زرقاء عالقة بعطر النبل والمحبة يحلّق بنا إطراء قارئ لما نكتب، ما يزيدنا شغفاً بالمفردات والحروف، ويزيدنا طمعاً بكلمات تشكل لنا سيمفونية للود والمحبة، فكل عام وصحفيو سورية الذين كانت الكلمة الصادقة والموضوعية سرهم الأوحد بخير، ولنلجأ جميعاً إلى صباح يسند قلبنا الذي أوجعته الوحدة بسرّ الكلمة، ونتصدّق بالنقاء عندما يطاردنا الألم، لتورق دروبنا بالحب، فالصباحات مملة إذا لم تشرق قلوبنا بنور الأمل الذي يمثل الوجه الأجمل للحياة.