إيران تدخل إفريقيا من بوابة الاقتصاد
تقرير إخباري
نرى بوضوح متسارع مدى التغير والنضوج في السياسة الخارجية لدول إفريقيا، وبشكل مترافق مع ازدياد وعي الشارع الشعبي فيها، والسائر نحو التعاون مع كل القوى الوطنية في العالم بعد طول ظلم واستعمار غربي لبلادهم ومقدراتهم، ولا سيما مع سياسة الانتقام الأمريكية من الدول الإفريقية اليسارية بعد حقبة تفكك الاتحاد السوفييتي في أواخر القرن الماضي.
تتقاسم الدول الإفريقية مع معظم دول جنوب العالم وجهات نظر ورؤىً مشتركة، وعلى رأسها النظرة نحو الأطماع الغربية غير المتناهية، ونرى بوضوح أن إفريقيا في خروجها المتسارع من عباءة الغرب لم تقتصر علاقاتها على الصين وروسيا، بل تعمد إلى تنويع وتعدد علاقاتها وفق مصالحها الجيوسياسية، حيث تبرز الآن مسألة توطيد العلاقات مع إيران، وبالأخص من الدول الإفريقية التي تتصف علاقاتها مع الغرب بالتوتر التام الذي وصل حد القطيعة، مثل مالي وبوركينا فاسو وزيمبابوي إضافةً إلى أوغندة، وبالمقابل عززت إيران من مساهمتها في كل الجوانب التي تحقق لهذه الدول وشعوبها التنمية المستدامة، كما عملت على تقديم الخدمات الصحية والخاصة برعاية المحتاجين، فضلاً عن إقامة مؤسسات تعليمية وثقافية، ونشر فروع جامعاتها في معظم دول القارة السمراء، ناهيك عن تعزيز التبادل العلمي معها عبر تقديم منح لتلقي التعليم في إيران.
ولا شكّ أن دول القارة السمراء تمثل وزناً قوياً وصوتاً مرجحاً لدى الأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية، وتحالفها مع إيران سيعني تحقيق موقفاً عادلاً لقضايا طهران المتعثرة بفعل العداوة الأمريكية والغربية لها، وسعيهم الحثيث نحو عرقلة خطاها التنموية بحجج مسيسة تهدف إلى احتواء نمو طهران كلاعب بارز على الساحة الدولية، وقطب من الأقطاب الصاعدة في وجه السياسات الإمبريالية الغربية.
لقد باتت إفريقيا تشكل متنفساً كبيراً لعدد من الدول التي عانت سياسة الضغوط القصوى الغربية سياسياً واقتصادياً، وعلى اعتبار أن طهران تنتهج الآن سياسة تحييد العقوبات ضمن خطة سياسية اقتصادية تقوم على التوجه شرقاً، بالتركيز على العلاقة مع روسيا والصين، ودول الجوار الخليجية، فإنها تسعى أيضاً وبقوة إلى تعزيز العلاقات مع دول القارة السمراء بعد أكثر من 11 عاماً من انقطاع الزيارات المتبادلة، في إطار سعي طهران للوصول إلى مخارج اقتصادية وسياسية، والتعاون مع دول القارة الإفريقية للتأقلم مع العقوبات الأحادية الظالمة، وإيجاد السبل للالتفاف عليها والتقليل من تأثيرها، وصولاً إلى إفشال تلك العقوبات وتحويلها إلى سلاح صدئ لا قيمة له، بل النجاح في ردّ أثاره السلبية على دول الغرب ذاتها بالدرجة الأولى.
إن إيران دخلت إلى إفريقيا من بوابة الاقتصاد والتنمية وليس من باب الحرب أو الجيوش، بدليل توقيع عدد كبير من الاتفاقيات الاقتصادية في مالي وتنزانيا وزنجبار وكينيا وأوغندا وزيمبابوي، وبالمقابل فإن تلك الدول تملك الرغبة الحقيقية بدخول مستثمرين لديهم الخبرة والأمانة لاستثمار مقدرات بلادهم بالشكل الأمثل في مجالات الطاقة والزراعة والتقنيات وتنقيبات المناجم وصناعات النفط والبتروكيماويات التي نجحت في الإقلاع في عدد من دول إفريقيا، إضافة إلى تفعيل المقايضات والتعامل بالعملات المحلية بعيداً عن هيمنة الدولار الأمريكي، أما الهدف الأسمى للعلاقات بين إيران ودول إفريقيا فيكمن في رفع حجم التبادل التجاري إلى أكثر من ملياري دولار في غضون الأشهر الثلاثة القادمة.
ما يجري في إفريقيا مؤخراً، وخاصةً لجهة تنوع وتعدد العلاقات الذي يضاف إلى الانفتاح الإفريقي- الإفريقي، يؤكّد أنها تشكل فعلياً حجر الزاوية في بناء العالم متعدد الأقطاب، والذي تنطلق علاقات الدول فيه من معادلة رابح- رابح، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لأي دولة سواء كانت قوية أم ضعيفة، لكسر كل ما كان قبل تلك المعادلات على مستوى كل الدول، كنظرية التفوق الغربي، أو نظام القواعد الأمريكي، وذلك لفتح المجال أمام تحقيق التنمية والأمن الغذائي وأمن الطاقة، ولاسيما لدول تملك كل الثروات لكن الإرادة الغربية كانت تحرمها من استثمارها لصالح شعوبها.
بشار محي الدين المحمد