تهميش عمال الجاهزية والإسعاف السريع.. وغبن يطال مديرية صحة دمشق
دمشق- ميادة حسن
كثير من المشاريع والقرارات المهمّة تتعطّل نتيجة تفاصيل وثغرات بسيطة، والأمثلة كثيرة ومكشوفة لهذه الفوضى التي تحدثها تدخلات من جهات ليست معنية بشكل مباشر بمشكلة وزارة أو هيئة، ما يجعل القانون في كثير من الأحيان هو المشكلة، ولأننا في ظرف استثنائي كان الأولى أن نكون أكثر مرونة في التعامل مع احتياجاتنا في تطوير أدائنا الحكومي والتخلّص مما كنّا نحاربه وسط “الروتين والبيروقراطية”، والحقيقة بعد أن تجاوزناهما في مرحلة ماضية يبدو أننا عدنا لها مجدداً، وخاصة بوجود وزارات وهيئات جديدة زادت حدة ما نعانيه في هذا المجال، وبمعنى آخر يجب إعطاء المرونة للتعاطي مع المشكلات المؤسساتية دون تعطيل ومماطلة، فيكفينا أن تكون الخطوات المطلوبة مجدية وذات آثار إيجابية.
إيجاد بدائل
إذا كنّا نسعى لتحسين الواقع المعيشي، ورفع كفاءة الموظف وأدائه في العمل، ودعم نشاط وزاراتنا وهيئاتها، لماذا يتمّ تعطيل احتياجاتها وعدم تلبية مطالبها من قبل الحكومة، رغم أنها لا تحتاج للتكاليف العالية، بل لتدخل في سياق التحسين والتطوير. وهنا سنتحدث عن مديرية صحة دمشق وخاصة منظومة الإسعاف السريع التي تعرّضت للغبن والظلم من قبل محافظة دمشق التي أصرّت على تنفيذ مشروع السبع بحرات، فقد تمّ إخلاء عمال هذه المنظومة من غرفة عملياتهم ونقلهم إلى مكان غير مؤهل بالكهرباء والماء والصحية، ليجد العمال أنفسهم منتشرين هنا وهناك ضمن مخاطر وصعوبات عديدة للقيام بعملهم الذي يُعتبر إنسانياً بالدرجة الأولى، ورغم محاولة المنظومة تفادي هذا الإجراء وإيجاد بدائل، إلا أن ذلك لم يعوّض العمال المناوبين عن مأساتهم في التشتّت وعدم الاستقرار المهني، وأصبحت معاناتهم مضاعفة في تأدية واجباتهم الإسعافية.
مدير الجاهزية والإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة الدكتور توفيق حسابا شرح لـ”البعث” تفاصيل المعوقات والمشكلات التي تعاني منها هذه المديرية، حيث لا تقف المعاناة عند حدود إخلاء العاملين من مركزهم، وإنما في الحقوق العديدة التي لم يحصلوا عليها والتي تعتبر جزءاً من تنفيذ عقد مبرم بين العمال والوزارة، أي إنها حقوق وليست مطالبات جديدة ومبتكرة، كالتعويضات وطبيعة العمل التي استطاع العديد من العاملين في وزارة الصحة والمستشفيات الحصول عليها، وعندما وصل الأمر إلى عمال الإسعاف السريع توقفت التعديلات ولم يحصل عليها العاملون الذين يعتبرون أكثر معاناة من غيرهم في حقل الصحة!.
مهام إنسانية
العاملون في مديرية الجاهزية يعتبر عملهم ضمن نظام المناوبات والاستنفار على مدار 24 ساعة، وهم يتعاملون مع حالات خطرة ومواقف حسّاسة، لكن يعاملون معاملة العمل الإداري، وهنا يشير حسابا إلى أن عامل الإسعاف السريع يجب أن يكون في حالة نفسية مرتاحة ومستقرة ليستطيع القيام بعمله الإنساني، إذ يتمّ إرسال العناصر إلى مسافات بعيدة وفي أوقات مختلفة ليلاً ونهاراً، وهم يتعاملون مع حالات شديدة الخطورة، وهذه تعتبر طبيعة عملهم، لكن للأسف يتمّ اعتبارهم عمالاً ضمن نظام الـ 8 ساعات، أي إداريين، مما يحرمهم من حقوقهم، مبيناً أن المديرية حاولت كثيراً عبر قنوات عديدة رفع الظلم عن عمال الإسعاف السريع والطوارئ إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك، وكان الاهتمام بذلك من أعلى مستوى في الوزارة، بدءاً من الوزير وحتى أصغر إدارة في الوزارة لكن دون نتيجة.
حلول مؤقتة
لم يكن هناك مفرّ من الآثار السلبية لتجميل ما كان جميلاً بالفعل، والذي لا يحتاج لتلك الفوضى والهدر المقصود والمتعمد لمال كان الأولى توجيهه نحو الأولويات. وفي كل الأحوال تعاملت وزارة الصحة بمقولة “الكحل أحسن من العمى”، وقامت بمتابعة العمال المتضررين وحاولت إيجاد نقاط استقرار لهم ولتمركزهم بعد أن رفض العمال التواجد في الغرفة البديلة التي حدّدتها المحافظة والتي لا تليق بتواجد العمال، فهي غير مجهزة بأدنى الخدمات كالمياه والكهرباء والصحية. ويضيف حسابا أن مديرية صحة دمشق رفضت تواجد العمال في هذه الغرفة واستطاعت إيجاد مقرات لهم كبدائل مؤقتة تتناسب مع ظروف عملهم، علماً أن المديرية تتابع مع المحافظة تحسين واقع وخدمات تلك الغرفة، رغم أنها غير لائقة للعمال بكل الأحوال لتواجدها في مكان مكتظ بالناس والبسطات وغيره، لافتاً إلى علم المديرية بالمعاناة التي يعيشها عناصرها، وأن هناك تفاصيل عديدة لا يمكن ذكرها جميعاً، لكن أهمها هو إجبار العناصر على تغطية حفلات فنية ومباريات رياضية وغيرها من الفعاليات التي ينفذها العامل لمدة أيام دون تأمين الطعام والشراب له من قبل الجهة التي تطلب المؤازرة، وانتظاره بالعراء تحت الشمس الحارقة أو البرد والمطر، بالإضافة إلى أن المديرية تتكفل بتأمين البنزين لتلك المهمات، علماً أن الكمية المحدّدة للمديرية غير قادرة على استيعاب تلك المهام الإضافية، ومن الأولى أن تقدم تلك الجهات التي تطلب المؤازرة مادة البنزين لسيارات الإسعاف التي تقوم على خدمتهم حتى تستطيع تلبية جميع النداءات الإسعافية.
نقص الكوادر
معاناة هذه المديرية عديدة ولا تقتصر على ما ذُكر، فقلة الكوادر المؤهلة والمتدربة يعتبر من أكثر الصعوبات التي تعاني منها وزارة الصحة بأكملها، وهنا يؤكد حسابا أنه لو تمّ فرز ممرضين فإنه يفضّل إرسالهم إلى المستشفيات التي تعتبر أكثر حاجة من مديرية الجاهزية، لأن النقص بالممرضين والمساعدين حاد جداً ولا يمكن تأمينه بسهولة، لذلك من الضروري التعامل مع الواقع كما هو، والمديرية تحاول تذليل العقبات لكنها تحتاج إلى من يقابل مطالبها الأساسية والمهمّة بالردّ وعدم التجاهل وخلق الأعذار غير المقبولة وغير المنطقية، مبيناً أن المديرية تعمل منذ 2007 لتنفيذ جزء من هذه الاحتياجات التي قوبلت بالتهميش والعرقلة!!.
غياب النقابة
اتجهنا في جدلنا حول هذه المسألة إلى جهات أخرى لعلّها تعطي معلومات حول ما يجري لعمال الجاهزية والإسعاف السريع، كالنقابات العمالية التي تعتبر محركاً فعّالاً للمطالبة بحقوق عمالها.
رئيسُ نقابة عمال الصحة في اتحاد عمال دمشق سامي حامد تحدث لـ”البعث” مؤكداً أنه لم يتمّ عرض شكوى لهم من قبل العمال حول ما حدث بشأن الغرفة الخاصة بعمال الإسعاف السريع، وبالتالي هم لا يملكون الحجة للعمل على حلّها أو المطالبة بحقوق عمالهم، ويبدو أن نقابة الصحة هي كباقي النقابات وكلّ الجهات والقطاعات لاحول لها ولا قوة، وتبدو غير مؤثرة فيما يجري للعمال من حيث تعديل القوانين أو إعادة صياغتها بالشكل المناسب. ويتابع حامد أنهم لا يستطيعون التحرك إذا لم يكن هناك شكاوى موجّهة من العمال بشكل مباشر، وهنا تسقط المهمّة عن النقابة وتبقى المشكلة رهينة بالوزارة ومديرية الجاهزية التي مازالت تعاني الأمرّين في لفت الأنظار إلى مشكلاتها التي لا تحتاج إلى تكلفة كالتكلفة التي صُرفت على “تجميل” السبع بحرات!!.