الاستفاقة قبل حصول الفاقة..!
عبد اللطيف عباس شعبان
سنويا تدمِّر الحرائق آلاف الهكتارات الحراجية والزراعية ذات الملكية العامة والخاصة في العديد من المحافظات، ويكلف إطفاءها مليارات الليرات السورية، وينجم عنها خسائر كبيرة جدا، وتعويض ما ترتب من خسائر للمتضررين لا يشكل إلا نسبة ضئيلة من الخسائر الفعلية التي لحقت بهم أنيا وستبقى مستمرة لسنوات، وهذه التعويضات لا تأخذ بعين الاعتبار الخسائر التراكمية الوطنية الكبرى والخسائر التي لحقت بالمتضررين شخصيا لسنوات قادمة، فمن احترق عقاره المشجر بالزيتون المثمر المعمر، سيحتاج عشرات السنين لأن يغرس وتثمر غراسه الجديدة بحجم الغراس التي احترقت، والغابة الحراجية التي احترقت ستبقى شبه جرداء لعشرات السنين القادمة لتعود غابة كما كانت، وتكاليف كبيرة حال تضررت بعض المنشآت العامة أو الخاصة، الإنتاجية أو الخدمية، ويمكن تخفيف الكثير من خسائر الحرائق بإجراءات وقائية واجبة القيام بها من الجهات الرسمية والشعبية، ويمكن تنفيذها بتكاليف قليلة جدا قياسا بتكاليف إطفاء الحرائق والخسائر الكبيرة المترتبة عنها، ولو تمت هذه الإجراءات، لنقص عدد الحرائق وانخفضت الأضرار الناجمة عنها قيمة وكمية ونوعيه.
لكن المؤسف أن السلطات والمواطنين يتقاعسون عن اختيارهم الطوعي في تنفيذ تلك الإجراءات الوقائية المطلوبة بحجة صعوبتها وتكاليفها الكبيرة، ولكنهم يجدون أنفسهم مكرهين ومجبرين على تحمل نفقات أكبر بكثير لإطفاء الحرائق عند اشتعالها، وتحمل ما ترتب عليها من خسائر كبيرة، ما يجعل من الضروري أن تقوم السلطات الرسمية بالإجراءات الوقائية التالية: زيادة عدد آليات ومعدات ومستلزمات إطفاء الحرائق، وخاصة في المناطق الأكثر عرضة للحرائق، وشق وتمهيد العديد من الطرق في الأراضي العائدة للمديرية العامة للحراج، وأراضي أملاك الدولة البائرة، بحيث تمكِّن هذه الطرق من الدخول إلى هذه المناطق لغايات استثمارية أو تخديمية، وتسهل مرور آليات الإطفاء عند الحاجة، وتشكل موانع أمام امتداد النيران حال حدوث حريق، لا أن تظهر الحاجة لهذه الطرق ويتم تنفيذها عند متطلبات إطفاء الحرائق، وحال كانت بعض المناطق الحراجية مصنفة ضمن المحميات، فما الذي يمنع وجود طرق توصل لها وداخلها، ووضع حواجز على مداخلها وعلى بعض تفرعاتها بحيث تمنع دخول آليات غير حكومية عليها، بالتوازي مع تكليف المخافر الحراجية المعنية، ببعض الإجراءات العديدة اللازمة للوقاية من الحرائق والتخفيف من نتائجها كتنظيف بعض مواقع المنطقة الحراجية من بعض المخلفات والتخفيف من الأعشاب والأغصان اليابسة الواصلة بين منطقة وأخرى لغاية التخفيف من حدوث الحرائق والحد من انتشارها، شريطة تزويد هذه المخافر ببعض المعدات والآليات اللازمة لذلك مع وجود رقابة عليها تضمن تتابعية القيام بهذه الإجراءات.
إن شق الطرق المسبق في المناطق الحراجية والزراعية العائدة ملكيتها للدولة لا يتطلب أية إجراءات قانونية مسبقة، وإن كان شق هذه الطرق في الأراضي ذات الملكية الخاصة يتطلب تنازلات من أصحاب الحيازات أو استملاكها منهم، فمن الضروري علاج هذه الحالة قانونيا ورضائيا بما يسمح بتنفيذ الطرق الضرورية، إذ ليس من الجائز وقف تنفيذ شق طريق ضروري لأن عدد محدود من الحائزين لا يوافقون أو لأنه ليس بمقدور الحكومة تحمل نفقات الاستملاك، فمن الملاحظ أن شق مثل هذا الطريق جزئيا أو كليا، تم في أكثر من مكان حال حدوث حريق، لغاية إطفاء الحريق أو الحد من انتشاره – دون الأخذ بعين الاعتبار موافقات الحائزين أو التعويض عليهم، مع التذكير بأنه توجد العديد من الطرق الزراعية الملحوظة عقاريا، ولكنها غير قائمة على الطبيعة وتنفيذ شقها ضروري جدا، ولا يحتاج تنازلات من الحائزين ولا يتطلب تعويضا لهم، لأن هذه الطرق أصبحت في المصالح العقارية قائمة بحكم الأملاك العامة، وأية موجودات عليها (قديمة أو جديدة) عائدة للغير تعتبر مخالفة منهم، ولا تخولهم الاعتراض على تنفيذ الطريق، ما يوجب على السلطات المعنية تنفيذ هذه الطرق في جميع المحافظات.
أيضا على المواطنين وخاصة الحائزين الزراعيين اتخاذ إجراءات وقائية، ومن المستوجب أن تكون ملزمة لهم بموجب توجيهات وتعليمات صادرة من الجهات الأعلى تلزم البلديات والارشاديات الزراعية متابعة تنفيذها، فليس من حق الحائز التخلف عن إجراءات وقائية، والحضور السريع للمطالبة بالتعويض حال تضرره من حريق، فتخلفه قد يكون أحد أسباب هذه الحرائق أو ازدياد ضررها، بل من الضروري اعتماد توجيهات تلزمه بذلك وتمنع حقه بالتعويض حال ثبت قصوره، وتغريمه حال كان السبب، وهنا أرى من الضروري أن تتدخل البلديات والارشاديات الزراعية- بموجب قرارت وتعليمات عليا – لضمان إلزام الحائزين بتنظيف حيازاتهم من مسببات الحرائق وتنظيم ذلك بشكل دوري، على أن يتم ذلك في أحد الجهات العقارية قي يوم أو أكثر وبمراقبة من البلدية والإرشادية الزراعية، بغية التكاتف معا حال حدوث أي خطأ.
من المؤكد أن بعض الحرائق يسببها جهلة يرمون عقب سيجارة دون الحذر من مخاطر مكان رميه، وبعض الحرائق يعود لشدة الحرارة بين زمان ومكان وتواجد مواد مساعدة لذلك، وبعضها يعود لأخطاء الحائزين عند تنفيذ حرق مخلفات صيانة حيازاتهم، ولكن كما أثبتت الوقائع أن بعض الحرائق كان تخريبيا متعمدا من فاعلين، وأيا كانت الأسباب فجميع الجهات الرسمية والشعبية معنية مجتمعة ومنفردة بتنفيذ الإجراءات الوقائية من الحرائق اختيارا منها، على غرار تكاتفهم الطارئ معا لإطفاء الحريق حال حدوثه، ومن غير الجائز أن تتقاعس أية جهة أو تنتظر من الأخرى البدء بذلك تحت حجة وأخرى.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية