البيت الأبيض وحلف الناتو أكثر أهمية من راحة الشعب الألماني
هيفاء علي
هو عنوان مقال للصحفي الأمريكي الشهير سيمون هيرش، تطرق فيه إلى تأثير قطع الغاز الروسي عن أوروبا وتداعياته على الاقتصاد الألماني بشكل خاص، لافتاً إلى التزام المستشار الألماني، شولتز، الصمت بشأن ما إذا كان يعلم بقرار بايدن بشل الاقتصاد الألماني من خلال تدمير خطوط الأنابيب “نورد ستريم2” في أيلول الماضي، مذكراً بأنه كانت هناك مجموعتان من خطوط الأنابيب، تم تمويلهما جزئياً من قبل روسيا وبفضل الرئيس فلاديمير بوتين.
دخل “نورد ستريم 1” الخدمة في عام 2011، وفي غضون عشر سنوات كانت روسيا تزود ألمانيا بأكثر من نصف احتياجاتها الإجمالية من الطاقة، مع استخدام معظم الغاز الرخيص للاستخدام الصناعي.
تم الانتهاء من “نورد ستريم 2 ” في صيف عام 2021، ولكن لم يدخل الخدمة مطلقاً، لأنه في شهر شباط 2022، في بداية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، أوقف شولتز عملية تحميل “نورد ستريم 2 ” بالغاز المتجه إلى ألمانيا، بناءً على طلب إدارة بايدن. في 26 أيلول، تم تدمير خطي أنابيب الغاز بقنابل تحت الماء.
يذكر هيرش أن ألمانيا اجتازت شتاء العام الماضي الدافئ بشكل غير معتاد، حيث قدمت الحكومة دعماً سخياً للأسر والشركات، ولكن منذ ذلك الحين، كان نقص الغاز الروسي هو العامل الرئيسي في ارتفاع تكاليف الطاقة، مما أدى إلى تباطؤ الاقتصاد الألماني، رابع أكبر اقتصاد في العالم. وبالتالي، أدت الأزمة الاقتصادية إلى تصاعد المعارضة السياسية للائتلاف السياسي بقيادة السيد شولتز. نقطة خلاف أخرى هي الزيادة المطردة في طلبات الهجرة من الشرق الأوسط وأفريقيا والمليون أوكراني الذين فروا إلى ألمانيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
وقد أظهرت استطلاعات الرأي في ألمانيا استياء الألمان من الأزمة الاقتصادية التي تواجه البلاد، حيث وجدت دراسة صادرة عن وكالة “بلومبرغ” أن 39٪ فقط من الناخبين الألمان يعتقدون أن البلاد ستكون دولة صناعية رائدة في العقد المقبل. وأشارت إلى الجدل السياسي الداخلي حول سياسات دعم التدفئة في المنازل والشركات، لكنها لم تذكر السبب الرئيسي للأزمة، أي قرار تدمير خطوط أنابيب “نورد ستريم”.
ورغم ذلك، لم تجد مراجعة للتقارير الأخيرة حول الأزمة الاقتصادية الألمانية في المنشورات الاقتصادية الألمانية والأمريكية والدولية أي إشارة لتدمير خط أنابيب الغاز كسبب رئيسي للتشاؤم العام. في تموز الفائت، ذكرت صحيفة “بوليتيكو” أن روبرت هابيك، نائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد، وهو عضو في حزب الخضر، حذر من أن البلاد ستواجه بالتأكيد انكماشاً في الاقتصاد وانتقالاً إلى الطاقة الخضراء التي “ستؤثر” على السكان، وفي أيار، أعلنت الحكومة الألمانية دخول البلاد في حالة ركود. ووفقاً لـ “بوليتيكو”، فقد بدأت بعض الشركات الألمانية بمغادرة البلاد، مما أثار مخاوف من تراجع التصنيع. وبحسب هابيك، يمكن تفسير التباطؤ الاقتصادي بارتفاع أسعار الطاقة، وهو ما شعرت به ألمانيا بشدة أكثر من البلدان الأخرى لأنها كانت تعتمد على الغاز الروسي الرخيص.
ومع التنويه إلى أن أزمة الطاقة قد اشتدت في الأشهر الأخيرة لدرجة أن الشعب الألماني عانى منها، فقد أزالت نهاية خطوط الأنابيب أيضاً معضلة سياسية كارثية محتملة للمستشار، وهي إذا كانت خطوط الأنابيب لا تزال سليمة ولكنها مغلقة بأمر منه، فسيكون هناك ضغط قوي عليه لفتح الصمامات والسماح بتدفق الغاز، ولكن يبدو أن الحفاظ على دعم البيت الأبيض وحلف الناتو وزيلنسكي في حرب كان من المفترض عدم خوضها، كان أكثر أهمية من الحفاظ على دفء الشعب الألماني وازدهاره، بحسب هيرش.
كما بين هيرش أنه في تشرين الأول الماضي، قامت ليزا هانيل، التي كانت تعمل في التغطية لقناة “دويتشه فيله” التلفزيونية العامة، بتسليط الضوء على التكلفة الاجتماعية الفورية لنقص الغاز الروسي بالنسبة للطبقة الوسطى الألمانية: أخبرها الأخصائيون الاجتماعيون الإقليميون الألمان أن “المزيد من الناس يخشون من عدم قدرتهم على التعامل مع الزيادة في أسعار الطاقة وتكاليفها”. وحول تأثير نقص الغاز الروسي الرخيص على ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، بما في ذلك 18 مليون ألماني يكافحون من أجل البقاء دافئاً وتغذية جيدة، أفادوا أنه ربما تتضرر بشدة متأثرة بالتضخم والطاقة.
في السياق ذاته، أشار آدم باتون، المحلل الاقتصادي الكندي إلى أن هناك ثلاثة أسباب لانهيار الاقتصاد الألماني: الإنتاج الصناعي آخذ في التناقص، والعجز آخذ في الازدياد، وتكاليف الطاقة آخذة في الازدياد.
كما أن قطاع صناعة السيارات المزدهر في الصين يثير قلق الجميع، لكن النموذج الألماني الحساس للتصدير ربما يكون الأكثر تهديداً من قبل السيارات الكهربائية الصينية، وهذه موجة هائلة من المنافسة التي تضر بالهوامش وتضعف ألمانيا. وفي أسوأ الأحوال، يقضي على الصناعة الرئيسية ذات الأجور المرتفعة في ألمانيا.
لقد نجت ألمانيا من شتاء 2023 بفضل الإعانات الكبيرة والطقس الجيد، ولكن هذه الظروف ليست معادلة للمدى الطويل، وبغض النظر عن الحديث الخيالي عن الهيدروجين، كيف يمكن لألمانيا أن تبتعد عن الواردات الباهظة الثمن من الغاز الطبيعي المسال. في الأسبوع الماضي، أطلق وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك حقيقة صارخة، قائلاً إن ألمانيا تواجه خمس سنوات صعبة من تراجع التصنيع بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وداعياً إلى مزيد من دعم الطاقة لضمان الانتقال حتى عام 2030، عندما يعتقد أن الطاقة الخضراء ستتولى زمام الأمور.
وبرأي هيرش، فإن المشكلة تتعلق بالميزانية اذ يبلغ عجز ألمانيا حالياً 4.25٪، مقارنة بـ 2.6٪ قبل عام، ووفقاً لتقديرات وزارة المالية، من المتوقع أن ينخفض العجز إلى 0.75٪ في عام 2026، لكن هذا يفترض إلغاء جميع دعم الطاقة، وهنا تكمن المشكلة: إما أن تخفض الدعم وتفقد الصناعة، أو تدعم وتكسر قواعد العجز.