“البريكس” في مواجهة “الجوع كسلاح دمار شامل”
أحمد حسن
للفيلسوف السويسري، جان زيغلير، مقولة شهيرة مفادها أن “الجوع هو أحد أسلحة الدمار الشامل”، وأنه “يستخدم اليوم من قبل الغرب كسلاح فعال ضد بقية شعوب العالم”.
الرجل محق في ذلك لكن كان عليه استبدال بعض المفردات فقط، فبدل “الجوع” يجب ايراد كلمة “التجويع” باعتبارها تعبّر عن فعل مقصود وعمديّ، وبدل “أنه يستخدم اليوم” كان يجب القول إنه “يستخدم منذ بدأ الغرب بالسيطرة على بقية أنحاء العالم”.
وبالطبع لم يكتف زيغلر بالعموميات بل أشار تحديداً إلى “إمبراطورية العار” كمسؤول رئيس عن ذلك، وقد قصد بها “إمبراطورية الرأسمالية الغربية والشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات التي تجوع سكان الجنوب وترهق دولهم بالديون وتركعهم تركيعاً”، مضيفاً “أن قادة هذه الشركات أشخاص لا هم لهم إلا تراكم الأرباح والرساميل في جيوبهم. ولهم ممثلون مرتزقة يعششون في أوساط منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي”.
زيغلير يقدم أرقاماً مخيفة وصادمة لهذه الجريمة، “ففي كل خمس ثوان يموت طفل ما قبل العاشرة من الجوع”، والجريمة الفادحة أن ذلك “يحصل في وقت لم تكن فيه البشرية مكتظة بالثروات مثلما هي عليه اليوم”، فالمنظمة العالمية للتغذية قالت بحسب “زيغلر”: إن “ثروات العالم تستطيع حالياً أن تطعم 12 مليار شخص بكل سهولة”، لكن “القتلة الاقتصاديين” يقومون بكل ما يمكن فعله، ودون رحمة، للاستئثار بهذه الثروات.
أفريقيا -القارة التي تفيض ثرواتها عن حاجة العالم أجمع- هي الدليل الأكبر على ما سبق، فقد نُهبت وسُرقت واستُعبد شعبها عبر قرون طويلة من مهام “التحضير والتمدين” التي قامت بها حكومات “صاحبة الجلالة” وأصحابها، وحتى من قبل ورثة عصر التنوير الفرنسي وثوار الباستيل وورثتهم –الذين يُطردون الآن من بلدان القارة بلداً إثر آخر- ثم جاء “الأمريكان باكس” ليدمّر ما تبقى من القارة، ثروات وشعوباً، كما سواها من القارات الأخرى.
وبالطبع فإن واشنطن لم تكتف بأفريقيا فقط بل جعلت راية “الأمريكان باكس” المزعوم تتمدد فوق كافة أرجاء المعمورة، حيث ترفع اليوم سلاح “التجويع” في وجه كل من يقول أريد عالماً عادلاً ومسالماً أستطيع فيه استغلال ثرواتي الخاصة لمصلحة أبناء شعبي، وبالتالي شعوب العالم أجمع، لكن “القاتل الاقتصادي” في البيت الأبيض -وهو ممثل فعلي لشركات إمبراطورية العار- يرفض ذلك، ويشهر بحق كل صوت استقلالي سلاح العقوبات الاقتصادية وليس عليه فقط بل على كل من يحاول مساعدته بأي صورة من الصور.
خلاصة القول: “التجويع” سلاح دمار شامل وهو أبعد أثراً من كل الأسلحة المشابهة، وذلك ما اكتشفه “بقية العالم” بدماء أبنائه ولقمة عيشهم، لذلك جاءت “بريكس” كمحاولة دولية جماعية من المتضررين للوقوف في وجه هذا السلاح القاتل وأدواته الاقتصادية –الدولار أولاً وأساساً- وغداً تستضيف “جنوب أفريقيا”- وللمكان أهميته الرمزية الكبرى- جولة جديدة منها، وهي جولة تتميز عن سابقاتها بـ “حضور عشرات الدول الراغبة بالانضمام إلى المجموعة”، ما يعني بحسب صحيفة “الأوبزرفر”، نهاية القرن الأمريكي، وإذا كانت تلك النهاية تحتاج إلى وقت أطول وإرادات أقوى إلا أن اجتماع الغد سيكون خطوة أخرى على طريق وعي ضحايا “التجويع” بأسماء القتلة وأسلوب المواجهة، وهذا أمر هام ومفصلي لأن الوعي بالمشكلة هو خطوة هامة على طريق حلها ..أملاً بعالم أفضل.