اقتصادصحيفة البعث

الرقابة الدوائية مجددا..!!

قسيم دحدل

طالما كان هناك سؤال ملح يتعلق بحقيقة ما يدعيه مصنعو الأدوية من خسارة، لاسيما وأنهم في كل مرة يطالبون فيها بزيادة على أسعار منتجاتهم، يكون المبرر زيادة تكاليف مستلزمات ومدخلات الإنتاج!

إن الزيادة الأخيرة، والتي كان سبقها زيادات بنسب عالية، حصل عليها المصنعون والمستوردون وكان لهم ما أرادوا، أتت بعد تعطيش السوق واستغلال آلام الناس واحتياجاتهم الماسة للدواء، هي زيادة لا نعرف حقَّها من باطلها. والمؤلم في هذه القضية، لم يقتصر على نسبة الزيادة والبالغة ما بين 50 و60%، وما شكلته من عبء مالي كبير  يضاف إلى الأعباء المعيشية التي أنهكت المواطنين والمرضى منهم خاصة.. المؤلم أن الكثير من المرضى، منهم من لم يعد لدية القدرة المادية على تأمين احتياجاته الدوائية، ومنهم من تحايل على المرض من خلال أخذ (الدواء اليومي) مرة كل ثلاثة أيام..

الأكثر إيلاماً أنه وعلى الرغم من إقرار زيادة أسعار الدواء، وصدور مرسوم تشريعي أُعفيت بموجبه مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة بصناعة الأدوية البشرية، من الرسوم الجمركية، فهو مطالبة مصنعي الأدوية بزيادة الأسعار مجددا وبنسب إضافية ما بين 70 و80%..! وكأنهم غير معنيين (ولو من ناحية المسؤولية الاجتماعية) بالانعكاسات المالية القاسية لتلك النسب على الناس والمجتمع، وغير أبهين إلاَّ بالحفاظ على النسب المراد تحقيقها من الأرباح..!

وبالعودة لما بدأنا به من سؤال حول الخسارة، نرى أن معامل الأدوية لا تخسر أبدا، وإن خسرت فتكون خسارتها  في جزء من الأرباح لا في رأس المال، مع لفتنا النظر إلى أن تصدير الدواء للخارج يكون عائده بالعملة الصعبة، وهنا لا يخفى على أحد إمكانية “الاستفادة” من هذا..

كذلك لم يعد مخفيا تعمد معامل الدواء تخفيض إمداداتها الدوائية للسوق وما يعنيه ذلك في معادلة العرض والطلب، حيث يتم زيادة أسعار الأدوية بشكل مخالف، وخارج أنظمة الرقابة على الدواء، التي نلمس غياب جهاتها عن متابعة الأسواق وتقصي حالات زيادة الأسعار التي يتشارك بها المُصنِّع (المعمل) والموزع (المستودعات) والبائع (الصيادلة). ويكفي جولة على صيدليات عدة ليتأكد من يشكك بأن كل صيدلية تبيع على هواها! إذ كيف يفسر أن سعر الدواء نفسه، وكذلك سعر نوع من حليب الأطفال، يختلف بين ثلاث صيدليات.. ولا ننسى كيف تُحمِّل شركات الأدوية أصنافا دوائية غير مطلوبة على أصناف مطلوبة، وإذا امتنع الصيدلي عن الرضوخ لهذا الأسلوب، تحجب عن صيدليته احتياجاتها!؟

من المؤسف جدا أن نختم بالتأكيد أن قطاعنا الدوائي، الذي من المفترض أن يكون قطاعا صناعيا واقتصاديا راقيا وإنسانيا، ينحدر إلى هكذا أساليب تصنيعية وتسوّقية، تبتعد كل البعد عما يعنيه كونه شريكا رئيسا وأساسيا في الحفاظ على الصحة العامة!

Qassim1965@mail.com