ثقافةصحيفة البعث

قراء الأرصفة

غالية خوجة

تمضي الأيام الحارة مع ظلال الناس، وترتفع درجات الإحساس، فيتدبّر كل إنسان شؤونه تبعاً لأفكاره، وتمضي مع أفكارك في حلب التي تُريك العجب، فهنا شخص يحمل الخبز، وهناك بائع جوال يرتّب العنب والتين على عربته الخشبية، وهناك كتب تضمها أكياس بلاستيكية مركونة على أحد الأرصفة أمام أحد المكتبات في شارع البيلسان بحي السريان الجديدة، وبينما تفكر نفسي بصوت مرتفع: الحمد لله ما زال في حلب من يهتم بالكتب ويقرأها رغم كل هذه الظروف، ورغم إغلاق الكثير من المكتبات.

لتأتيني الإجابة من رجل يخرج من المكتبة وهو يحمل كيساً بلاستيكياً آخر مملوءاً بكتب أخرى: فعلاً، ما زل القراء يحبون الكتب الورقية لا سيما الروايات، وأنا أوصلها لهم.

كيف؟

أجابني: يطلب مني الراغبون في القراءة عناوين معينة، فأبحث عنها في مكتبات البيع بالجملة في أحياء حلب القديمة، مثل حي أقيول، وأحملها كما ترين وأوصلها لهم.

ومن هم القراء؟ وما أهم الكتب المطلوبة؟

أجابني: الإناث أكثر قراءة، والمطلوب هو الروايات.

وفتح لي هذه الأكياس، لأكتشف أن أغلبها عناوين روايات دارجة كالموضة، وبعض مؤلفيها ممن يدس السم في الدسم، فأخبرته بذلك، فسألني: كيف لي أن أعرف ولم ينبهني أحد وهي موجودة في الأسواق؟

أجبته: ببساطة، من الممكن البحث عن ذلك الكترونياً لا سيما المواقع الوطنية الموثوقة، وتابعت: هل لديك روايات لـ حنا مينه وديستوفسكي ومجموعات لـ محمود درويش ومحمد الماغوط؟

وهنا، ركض إلينا متلهفاً رجل كبير بالسن كان على مقربة منا ليسأل: هل هناك كتب لـ محمد الماغوط أنا أريدها؟ أحب الماغوط وأشعاره.

وتعرفت إلى الرجل، واسمه فوزي مرجانة، وكان أستاذ رياضيات وهو قارئ جيد على ما يبدو، إلاّ أن صاحب المكتبة ياسر جولو: أجابني: أستاذ فوزي من جيل الماغوط، ولذلك يحبه، بينما الجيل الجديد فهو يحب هذا النمط، لا الماغوط ولا “بطيخ”! ولديّ روايات لـ ديستوفسكي، لكن البقية لا، لكن، أعدك أن أنوّع في الكتب والعناوين، وأبحث عن الكتاب ومؤلفه قبل اقتنائه وبيعه، لأن الربح لا يغني عن الكتب القيّمة.