كنينة دياب بين البوح والمخاطبة في “سبعون عطراً وأكثر”
ملده شويكاني
“لو أني أعرف خاتمتي ما كنتُ بدأت لكنّي أعرف خاتمتي، وأني قد بدأت”.. هذا الاقتباس الجميل من الشاعر نزار قباني وظّفته الكاتبة كنينة دياب في قصيدة خاتمة، في مجموعتها الشعرية “سبعون عطراً وأكثر” الصادرة عن دار بحر في اللاذقية، والتي استبدلت فيها السنوات بالعطر من خلال العنوان الذي تقصد منه ” سبعون سنة وأكثر” عمر الكاتبة التي قدمت الكثير ابتداءً من التأليف إلى الترجمة عن الإنكليزية إلى إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية.
إيقاع التكرار
فكانت هذه المجموعة مرآة لحياتها عكست الكثير من المشاعر الذاتية التي عاشتها الكاتبة، وانطلقت من ملامح بيئتها الجميلة، فشغل البحر بكل تفصيلاته وأمواجه سطور القصائد المتماوجة بين النثرية والتفعيلة، متمنية أن تكون تلك الموجة التي تلثم الشاطئ في قصيدة ياليت، مؤكدة على المعنى باستخدام أسلوب التكرار ضمن إيقاع القصيدة باللفظ والوزن معاً.
” ألثم الشاطئ … وأعود.. دون أن يلومني أحد .. دون أن يؤذيني أحد.. دون أن يخيفني أحد”
وكما تمتد أمواج البحر ينثر الحب عطره بين الحنين والفراق والجرح الذي لا يندمل والانتظار المميت، وبين قليل من بصيص الأمل المنبعث من عتمة الليل التي غطت أمواج البحر بسوادها، بقصائدها المنوّعة من حيث الشكل، فبعضها طويلة اتخذت سمة القصة الشعرية وأخرى مضت وفق القصيدة المختزلة.
الذات والتشابيه
وتبدو جمالية القصائد بالدمج بين مشاعرها والصور البيانية والتشابيه فأولت الصورة الشعرية الدرجة الأولى بتورية المحاورة مع المعنى، ففي قصيدة بوصلة تعاتب قلبها الوفي حتى بضياع الحبيب.
” قلبي الأحوال .. صار كالبوصلة الهوجاء .. كلما وجهته للأمان يصرخ مدوياً متجاوزاً كل الوديان والكهوف متجهاً إليك هذا القلب العاق ينسى لعنة البعد ويبقى بداً على الوعد”
التضمين الخفي
وثمة تقاطعات مشتركة في ثنايا المجموعة ليس فقط بالصور البيانية وإنما بالمعنى تبدو واضحة بمخاطبة الحبيب الغائب بمختلف الصور، ففي قصيدة ابتهالاتي، تخاطبه مباشرة ضاحكة من الواشين الذين يريدون أن يعرفوا من هو حبيبها، ربما بتضمين خفي يستحضرني باقتباس من قصيدة خالد بن سعود ” حبيبتي من تكون” فتقول: دعهم يبحثون وأنت تتغلغل في شغاف البطين هم يتعبون وأنا أضحك وأنت خفي بذاك الشغاف دعنا نضحك منهم”
وتذهب أحياناً إلى العرافة باحثة عن حبيبها الغائب، في قصيدة ” رشفة ياسمين” كما ذهب نزار قباني بقصيدة قارئة الفنجان: “سألتُ عرافتي أن ابحثي بين النقوش المتاهات عن صورة حبيبي”
فتعود في الجواب إلى شخصية الشاعرة الساردة راسمة خيوط الأمل بالعودة: ” رسمت لي قلباً وقالت: ها هو آت هاهنا من جديد افتحي باب قلبك”
على غرار الأقدمين
ومن صور الحب الجميلة قصيدة “ضمة قلب”، التي يبدو فيها تأثرها بشعر الأقدمين من حيث المعنى والمفردات: ” لن أضمك إلى صدري أخشى أن يتكسر ضلعي ولا يقوى قلبي على احتمال نبضي وأصير شبحاً وأنت كلّي”
انتقام غير معلن
وفي زاوية أخرى ترسم بالكلمات ملامح انتقام الأنثى من غدر الرجل وإيمانها الكامل بأن عدالة السماء ستطاله، ففي قصيدة “أنا لستُ شجرة” بصوت الشاعرة تؤكد أنها رغم الخيبات مازالت على قيد الحياة مستخدمة صورة تشبيهية جميلة بتشبيه نفسها بالشجرة الرافضة ظلم الرجل وخيانته بعد أن استغل مشاعرها وقضى معها وقتاً ممتعاً، ثم تركها لنيرانها المحترقة.
” ولستُ شجرة ولستُ حطباً لموقد في كهف مهجور تحرقني تتدفأ وتنساني”
لتصل إلى القفلة المعبرة عن الانتقام غير المعلن:
“روحي ستلاحق نارك جلدك المشوي في كل القبور”
العالم الساحر
وتبقى عناوين قصائدها قصائد بحد ذاتها تشد أفكار القارئ إلى ذلك العالم الساحر، فمن عشق الروح إلى ترنيمة بنفسج، إلى عشب قديم، إلى العود الأجمل ورقص أمواجي.
والسؤال: لماذا أضافت الأديبة صفة الشاعر إلى نزار قباني في قصيدة خاتمة، وهو الشاعر العربي الشهير والمعروف دون صفة الشاعر؟.