العلاقات الروسية التركية.. خلافات مستترة
ريا خوري
شهدت تركيا تطورات كثيرة في سياستها الخارجية منذ فوز الرئيس أردوغان يوم 28 أيار الماضي بولاية رئاسية ثالثة، ومنذ تلك الفترة، فقد حدثت المزيد من التطورات على الصعيد الدولي بخاصة في مجال علاقة تركيا بكلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي بعد قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي عُقدت في مدينة فيلينيوس عاصمة ليتوانيا.
وفي هذا الإطار نشأت العديد من التساؤلات الهامة حول الإستراتيجية السياسية التركية المستقبلية، خاصةً وأنه لم يَعُد السؤال المثير للاهتمام حول الاستدارة الواسعة في علاقات أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل ما هي حدود هذه الاستدارة وتلك المداورة، هل هي استدارة كاملة أم مجرد نصف استدارة، وعودة أردوغان إلى المراوغة والخداع والتلاعب بالغرب الأوروبي – الأمريكي كما يحاول دائماً أن يتلاعب بالعديد من الدول؟
أردوغان الذي يبدو أنه قرّر الاستدارة نحو الغرب الأوروبي _ الأمريكي، فاجأ الأوروبيين والأمريكيين معاً في قمة الناتو في فيلنيوس بإعلان موافقته على انضمام السويد إلى الحلف، حيث حصل على حزمة سخية من الوعود الاقتصادية والعسكرية والأمنية الأمريكية والأوروبية أبرزها بالطبع إعداد الاتحاد الأوروبي خريطة طريق لبحث انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وهو الأمل الذي كان ومازال يشغل كل الأتراك وليس أردوغان وحده، وكان هذا ثمناً أمريكياً – أوروبياً كافياً للاستدارة التركية، والالتفاف من جديد على حلفائه.
في حقيقة الأمر، تتداخل المصالح الروسية – التركية في عدة ملفات إقليمية ودولية، من بينها الملفان السوري والليبي، بالإضافة إلى ملفات تصدّرت الواجهة السياسية، وتركّزت الأنظار عليها، أولاً في أثناء الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وصولاً إلى التطورات المتعلقة بملف أوكرانيا وبولندا التي أعلنت عزمها شراء طائرات مسيّرة بدون طيار من تركيا.
وكانت صفقة شراء منظومة الصواريخ الروسية “إس 400” قد أحدثت فجوة بين الطرفين كونها كانت حجر عثرة في طريق العلاقات بين تركيا وحليفتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الولايات المتحدة الأمريكية.
الواضح أن تركيا تسعى لتعزيز حضورها في مناطق كالقوقاز وآسيا الوسطى وشرق أوروبا، وهذا يُثير حفيظة روسيا التي تُراقب بدقة وحذر هذا التوسع التركي، ولم تتوقف الخلافات العديدة المستترة بين البلدين على تلك الملفات السابقة، بل انسحبت إلى ملف جديد فتحته بولندا بإعلانها شراء طائرات مسيرة تركية.
الواضح أنّ هناك فجوة كبيرة بين تركيا وروسيا، ومن أسباب الفجوة بين البلدين هي الافتقار إلى إضفاء الطابع المؤسسي والإداري على التعاون العسكري والسياسي والتجاري والاقتصادي بين روسيا الاتحادية وتركيا، وقد أدركت القيادة الروسية حقيقة السياسة التركية كما أدركت بعمق أن تركيا باتت متورِّطة بشكلٍ صريحٍ وواضح في دعم المخطط الأمريكي العدواني في العديد من دول الإقليم الروسي، على حساب التقارب مع القيادة الروسية بكل ما يعنيه ذلك من دعم تسخين جبهات القتال وفتح بؤر التوتر في العديد من الدول والخروج من نظرية “صفر مشاكل”