النووي الإسرائيلي .. خارج الرقابة الدولية
د. معن منيف سليمان
استطاع الكيان الإسرائيلي بناء ترسانة كبيرة من القنابل النووية والهيدروجينية والنيوترنية مدعمة بطائرات وصواريخ وغواصات متنوعة ومتطورة لإطلاقها، نتيجة الأشواط الكبيرة والمتقدمة التي قطعها برنامجه النووي، الذي تمّ دعمه من طرف الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض التي عملت على توفير كل ما يحتاجه الكيان الإسرائيلي لاحتكار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط.
لا تزال جميع أنشطة “إسرائيل” النووية خارج أية منظومة رقابية دولية ما يهدّد توطيد نظام عدم الانتشار النووي، ونزع السلاح النووي، ويعدّ تهديداً للسلم والأمن الإقليمي والدولي.
إن الركيزة الأساسية للجهود الدولية التي تُبذل للحدّ من الأسلحة النووية هي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لعام ١٩٦٨، ومن شروطها هي موافقة الدول التي تملك أسلحة نووية على عدم نقل الخبرة العملية والمواد المتصلة بالأسلحة النووية إلى غيرها من الدول المتقدمة فنيّاً والاقتصار على نقل التكنولوجيا النووية المدنية مقابل تعهّد الدول التي لا تملك أسلحة نووية بعدم تطوير تلك الأسلحة. كما تطلبت هذه الشروط من تلك الدول إخضاع منشآتها للتفتيش من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومقابل ذلك كلّه وافقت الدول التي تملك الأسلحة النووية على التفاوض بحسن نية حول تدابير نزع السلاح.
وتعدّ “إسرائيل” واحدة من أربع دول فقط في العالم ما زالت خارج معاهدة عدم الانتشار النووي التي تضم في عضويتها 191 دولة، حيث يشير الخبراء إلى أن البرنامج النووي الصهيوني انطلق عام 1950، وتم إنتاج أوّل قنبلة ذرّية عام 1967، حيث بقي البرنامج سرّيّاً حتى أعلن المهندس النووي “مردخاي فعنونو” عن وجوده في عام 1986.
ويرفض الكيان الصهيوني الكشف عن أنشطته النووية، والتوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية الدولية ولا يسمح للوكالة الدولية بالتفتيش على أيّة منشأة له، ما يعرضه للانتقادات بشكل دائم. وتصرّ حكومة الكيان الإسرائيلي على إبقاء الغموض يكتنف برنامجها النووي، مع أن كل الشواهد الميدانية والوثائق المختلفة تشير إلى أن “إسرائيل” تمتلك كل المحرمات الدولية من أسلحة دمار شامل، نووي وكيماوي وجرثومي.
وبهذا تنفرد “إسرائيل” بوضعية احتكار امتلاك السلاح النووي وتحظى بغطاء دبلوماسي غربي مستفيدة من مساعدات فنية كبيرة ومن دعم مادي من الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض التي ساندته، ولعل هذا ما شكّل خرقاً لأحكام القانون الدولي وانتهاكاً للجهود الدولية في مجال عدم الانتشار النووي. كما عكس ازدواجية قيم واشنطن ومعاييرها في مجال عدم الانتشار النووي.
ولهذا فإن الدول الأطراف مطالبة بضرورة تنفيذ قرار الشرق الأوسط الذي يفرض إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية بأسرع وقت ممكن، لكونه يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة ويدعم الأمن والسلم الدوليين، وإلى العمل على تحقيق عالمية عدم الانتشار النووي، ووقف حالات عدم امتثال دول نووية وغير نووية لأحكام المعاهدة وهو ما يتطلب من مؤتمر استعراض المعاهدة لعام 2026 أن يدعو الدول الأطراف ولا سيما الدول الحائزة أسلحة نووية إلى التوقف عن دعم “إسرائيل” في تطوير قدراتها النووية، وحظر تزويدها بالتكنولوجيا النووية، بما يسهم في دفعها إلى الانضمام للمعاهدة كطرف غير حائز لأسلحة نووية دون قيد أو شرط، وإخضاع جميع منشآتها النووية للضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كما يتوجب على الدول الأطراف في معاهدة عدم الانتشار ولا سيما الحائزة أسلحة نووية تحمّل مسؤولياتها في الضغط على “إسرائيل” ومطالبتها بالانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار دون قيد أو شرط، ودون مزيد من التأخير والمماطلة، ووضع جميع منشآتها النووية تحت الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والانخراط بشكل جدّي في المسارات الدولية الرامية إلى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل.
ولكن على الرغم من جميع القرارات الدولية العديدة ذات الصلة، فإن مجلس الأمن الدولي لم يفرض على “إسرائيل” تنفيذ أي من هذه القرارات، ولا تزال جميع أنشطتها وقدراتها النووية خارج أيّة منظومة رقابية دولية، ولا زال يتعيّن عليه فرض العقوبات عليها من أجل ذلك.