الأسرى الفلسطينيون يقاومون مخطّطات كسر إرادتهم
البعث الأسبوعية- إبراهيم ياسين مرهج
رغم أن الأسرى الفلسطينيين قاسوا ما قاسوه من ظروفٍ قاسية على مرّ عقود في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، وكثيرٌ منهم إما استُشهد اغتيالاً أو أصيب بأمراضٍ مزمنة وبإعاقات دائمة نتيجة سياسة الإهمال الطبي والتعذيب الممنهج، إلا أن معاناتهم والتضييق عليهم من سلطات الاحتلال الإسرائيلي اشتدّا مع استلام حكومة المتطرّفين الحريدين برئاسة بنيامين نتنياهو زمام الأمور في الكيان.
فقد سارع الوزير المتطرّف إيتمار بن غفير إلى توعّد الأسرى، وقام بإصدار قراراتٍ تستهدف التضييق عليهم وعلى عائلاتهم، كان من بينها ما أُقرّ في كنيست الاحتلال أو هو في طور الإقرار، مثل قانون إعدام الأسرى وقانون سحب الجنسية والإقامة من أسرى ومحرّرين مقدسيين ومن الأراضي المحتلة عام 1948، ومشروع قانون يقضي بترحيل عائلات الأسرى والشهداء، وآخر يمنع الأسرى من العلاج وغيرها، ولم يكتفِ بن غفير بذلك، بل سعى إلى ملاحقة الأسرى في كل كبيرة وصغيرة، وفرض إجراءاتٍ قمعيةٍ جديدة من خلال عمليات المداهمة والعزل والتنكيل والاستفزازات ونقل قيادات الحركة الأسيرة، والجولات الاستفزازية على السجون.
وبالإضافة إلى ذلك، قرّر بن غفير، في نهاية شهر تموز الماضي، منع الإفراج عن الأسرى قبل انتهاء مدة أسرهم، حتى لو كانوا مرضى ومعرّضين للوفاة في أي لحظة، أما من أنهى مدة الأسر منهم، فقد اتبع المذكور تجاههم أساليب خبيثة لمنع أهاليهم ورفاقهم من الاحتفال بحريتهم، حيث تقوم سلطات السجون بقرارٍ منه بتأخير موعد الإفراج عنهم أو تقديمها، أو اقتيادهم إلى قرى بعيدة عن قراهم وإطلاق سراحهم فيها، أو إعادة اعتقالهم بعد الإفراج عنهم ومن ثم إما أن يصبحوا معتقلين إداريين وإما أن يطلق سراحهم في أوقات مجهولة لأهلهم، بينما تعود أجهزة الاحتلال الأمنية للتحقيق معهم بعد فترة، ويصاحب ذلك اعتقال أقاربهم وتفتيش المنازل.
ويُضاف إلى هذه السياسات، سياسة العزل الانفراديّ، التي تصاعدت بشكل ملحوظ منذ عام 2021، وتحديداً بعد عملية “نفق الحرية” البطولية، وكان يبلغ عدد الأسرى الذين يواجهون العزل الانفرادي حتى تاريخ 12 حزيران من العام الجاري نحو “35” أسيراً من بينهم أسرى مرضى يعانون من أمراض نفسية، وصحية مزمنة، وأحدهم الأسير أحمد مناصرة الذي يواصل الاحتلال اعتقاله، وعزله رغم ما وصل إليه من وضع صحي ونفسيّ خطير، ولا بدّ من ذكر أقدم الأسرى المعزولين في سجون الاحتلال، الأسير محمد خليل الذي يواجه العزل الانفرادي منذ أكثر من 15 عاماً.
وإلى جانب ذلك تتبع سلطات السجون سياسة الاقتحامات الممنهجة لأقسام الأسرى، والتنكيل بهم، فمنذ أواخر العام المنصرم ومع مطلع العام الجاري، سُجّل العديد من الاقتحامات لأقسام الأسرى في عدّة سجون، وتصاعدت فعلياً بالمقارنة مع الأشهر التي سبقت شهر تشرين الثاني 2022، وبلغت حدّتها في نهاية شهر كانون الثاني من العام الجاري، حيث رافق عمليات الاقتحام عمليات نقل وعزل بحقّ الأسرى، واعتداءات بمستويات مختلفة.
في المقابل ورفضاً للإجراءات التي أعلن عنها المتطرّف بن غفير، نفّذ الأسرى في النصف الأول من العام الجاري، سلسلة خطوات احتجاجية، بلغت كثافتها في شهري شباط وآذار، ورغم أنهم تمكّنوا من الحفاظ على ما هو قائم إلا أن منظومة الاحتلال تلجأ إلى تمرير العديد من الإجراءات تدريجياً، وأبرز ما يتعرّضون له تحت هذا الإطار سياسة الاستغلال الاقتصادي، التي تحاول تمريرها عبر العديد من الإجراءات اليومية.
كذلك أعلنت مؤسسات الأسرى الفلسطينية عن إقرار لجنة الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال برنامج خطوات احتجاج وطني وعام ضد سياسة الاعتقال الإداري، بعد وصول أعداد المعتقلين الإداريين إلى 1200 أسير ما يشكّل 23.5 بالمائة من مجمل أعداد الأسرى في سجون الاحتلال، أي ربع الحركة الوطنية الأسيرة.
وحسب البيان الصادر عن اللجنة، تتمثل تلك الخطوات بتوجّه ثلاث دفعات من الأسرى إلى الزنازين، والتأخر والاعتصام في الساحات، وإعادة الوجبات، ووقف التعامل مع العيادة، ووقف تناول الدواء، وصولاً إلى العصيان والتمرّد، على أن يصاحب ذلك البرنامج الذي تتبناه وتدعمه لجنة الطوارئ الوطنية العليا للحركة الوطنية الأسيرة، انضمام دفعات من الأسرى إلى الإضراب المسقوف عن الطعام، الذي سيصل في النهاية إلى الإضراب الجماعي المفتوح لجميع الأسرى الإداريين حين تتوفر الظروف الملائمة لذلك.
أما اليوم، فقد أقرّت لجنة المعتقلين الإداريين في سجن “عوفر” المنبثقة عن لجنة الطوارئ العليا للحركة الأسيرة، برنامجاً نضالياً، وذلك استكمالاً لسلسلة الخطوات التي أعلنوا عنها سابقاً لمواجهة جريمة الاعتقال الإداريّ، وتتمثل هذه الخطوات في إطارها العام بـ”عصيان ورفض لقوانين إدارة السّجن وعرقلة نظام الحياة الاعتقالي اليومي”، وعلى مدار أسبوع سينفّذ المعتقلون كل يوم خطوة استناداً للبرنامج الذي تم إقراره.
وأوضح نادي الأسير، أنّ خطوات المعتقلين الإداريين في سجن “عوفر”، هو بداية لبرنامج نضالي، سيتصاعد ليشمل الإداريين في سجون أخرى، وذلك وفقاً لما أعلنت عنه لجنة المعتقلين الإداريين سابقاً، وذلك إلى جانب استمرار العشرات من المعتقلين بمقاطعة محاكم الاحتلال وهي الأداة الأبرز في سياق مواجهة جريمة الاعتقال الإداريّ.
ولا بد في النهاية من الإشارة إلى آخر تحديث لأبرز المعطيات حول الأسرى في سجون الاحتلال صدر في 12 حزيران من العام الجاري، حيث أشار نادي الأسير الفلسطيني، إلى أن “5000” أسير وأسيرة معتقلون في “23” سجناً ومركز توقيف وتحقيق تابع للاحتلال.
أما بخصوص الأسرى القدامى فقد أشار نادي الأسير إلى أن عددهم “23” أسيراً، أقدمهم الأسير محمد الطوس المعتقل منذ 1985، بالإضافة إلى ذلك فإنّ هناك “11” أسيراً من المحرّرين في صفقة “وفاء الأحرار” الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم، وهم أيضاً من قدامى الأسرى الذين حُرّروا عام 2011 وأُعيد اعتقالهم عام 2014، أبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، حيث دخل عامه الـ43 في سجون الاحتلال، قضى منها “34” عاماً بشكل متواصل.
وحول عدد شهداء الحركة الأسيرة، أوضح النادي أنه بلغ “237” شهيداً، وذلك منذ عام 1967، بالإضافة إلى مئات من الأسرى استُشهدوا بعد تحرّرهم متأثرين بأمراض ورثوها في السجون، مع الإشارة إلى أن توثيق عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967، لا يعني أنّه لم يكن هناك شهداء قبل هذا التاريخ.
وعن الأسرى الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى الاحتلال، بيّن نادي الأسير أنهم “12” أسيراً شهداء. وبخصوص الأسرى المرضى، أشار النادي إلى وجود أكثر من “700” أسير يعانون من أمراض بدرجات مختلفة وهم بحاجة إلى متابعة ورعاية صحية حثيثة، منهم “24” أسيراً ومعتقلًا على الأقل مصابون بالسرطان، وبأورام بدرجات متفاوتة.