عبد الرحمن منيف لم يتصوَر أنَه سيكون روائياً
فيصل خرتش
يقول عبد الرحمن منيف : ” جئت إلى الرواية في وقت متأخر نسبياً، كنت مشغولاً بأمور السياسة، وكنت أفترض أن عملي السياسي هو خياري الأساسي، ما كنت أتصور أنني في يوم سأصير روائياً” .
دخل عبد الرحمن منيف عالم الرواية من باب السياسة، ودخل السياسة من باب الثقافة، وأخلص للرواية والثقافة، حالماً بالحداثة الاجتماعية التي تعني حقّ البشر في وجود إنساني كريم ، هكذا وصفه فيصل دراج ، وبأنه ” أحد أعمدة السرد العربي في العصر الحديث”.
وُلِدً عبد الرحمن بن إبراهيم المنيف في عمان أيار عام 1933، وهو ينتمي إلى بلدة “قصيا ” شمال بلدة القصيم التابعة للسعودية، أبوه كان يرحل إلى نجد والعراق والأردن طلباً للرزق، وقد توفي في إحدى جولاته هذه، وعبد الرحمن لما يبلغ الثلاث سنوات من عمره … فأخذته جدته لتربيه عندها، وأتم دراسته الأولى في عمان الأردن، ثم حصل على الشهادة الثانوية سنة اثنين وخمسين، والتحق بكلية الحقوق في بغداد حتى عام 1955 حيث جرى إبعاده عنها، فقد كان يتظاهر ضد حلف بغداد هو ومجموعة من الطلاب، انتقل بعدها إلى مصر لإكمال دراسته، ثم رحل إلى يوغسلافيا فحصل على الدكتوراه في العلوم الاقتصادية – اقتصاديات النفط، مارس العمل السياسي زمناً بانتمائه إلى حزب البعث ثم أنهى علاقته التنظيمية في عام 1962، عمل بعدها في مكتب توزيع النفط في دمشق، وغادرها إلى بيروت ليعمل في صحيفة البلاغ، تزوّج من سعاد قوادري وله ثلاثة أولاد منها، وابنة واحدة، وعاد ليقيم في بغداد وتولى تحرير مجلة ” النفط والتنمية ” العراقية، ثم غادر إلى فرنسا، وعاد إلى دمشق .
عالم عبد الرحمن منيف الروائي معقد، وضع فيه خلاصة تجاربه في الحياة، وقد كرسه لحرية الإنسان، وما يجب أن تكون عليه هذه الحرية، وقد طور في رواياته مقومات التعبير النفسي، فالتقط الانفعالات الإنسانية لحظة وصولها إلى سطح الوعي، واستوعب الألفاظ والتعابير التي أحدثتها الثقافة المعاصرة، له ثلاثون كتاباً، بعضها في الرواية، وبعضها في الفنون التشكيلية والسيرة الذاتية، لقد استطاع أن يعكس في ” الأشجار” الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، وفي ” شرق المتوسط” أبرز دور المعارضة السياسية لأنظمة الحكم، و ” مدن الملح ” تتحدث عن الثروة الطبيعية وما تحدثه من تحولات في بنية المجتمعات، وهي تتألف من خمسة أجزاء، أمّا ” حين تركنا الجسر” فتصور شخصية تعيش واقعاً متأزماً ، إنها تعيش صراعاً عنيفاً، فهنا عندنا صياد يتعقب طريدته، ويعيش استرجاعاً قاسياً لأخطاء حياته، وروايته ” سباق المساقات الطويلة ” تتحدث عن الواقع السياسي الذي تعيشه بعض الأنظمة العربية، ورواية “النهايات” تناولت المجتمع البدوي على أطراف الصحراء، وصورت عادات البدو والوسائل التي يعتمدون عليها للاستمرار في الحياة ، وروايته ” أرض السواد ” التي تتحدث عن تاريخ العراق الاجتماعي والسياسي في العراق خلال القرن التاسع عشر، وتنتمي روايته ” الآن … هنا … ” إلى أدب السجون، فمن خلال وضع سياسي محتقن يقع ضحيته بعض شباب الوطن، أمّا قصة ” حبّ مجوسية ” فإنّها تصور مفهوم الحبّ عند الشباب وعلاقاته الاجتماعية.
لقد جمعت رواياته بين العمق الفني والابتعاد عن الغموض والدلالة الواضحة، وقد اشترك مع جبرا إبراهيم جبرا في كتابة رواية هي ” عالم بلا خرائط “، وكان التشابك والتنسيق الفني على درجة عالية يستحيل أن نصدق بأن هذا العمل كتبه اثنان ـ وبقيت روايته ” عروة الزمان الباهي” وهو صحفي موريتاني حفظ القرآن والشعر الجاهلي، وقارن بين خفة دمه وشخصية زوربا اليوناني.
قال عبد الرحمن منيف: ” إنّ الموت نفسه نهاية منطقية لحياة أي كائن ، لكن ميزة الإنسان أن له ذكرى، وأن له جديد دون قديم، وهذا ما يعطي الحياة الإنسانية القدرة على الاستمرار، إذا كان الموت الذي يلحق الكائن البشري يغيبه كقرد عن الأنظار، فإنّ هذا الكائن خاصة في إطار الفكر والفن والأدب يبقى وينتقل إلى الأجيال اللاحقة “.
توفي عبد الرحمن منيف في دمشق يناير 2004 .