“لسا الدنيا بخير”…!
بشير فرزان
وضع المزاج الشعبي هذه الأيام في خانة المحاكاة العقلية للأمور ليس بالأمر السهل والمتاح، وخاصة مع اشتداد الحصار واتساع الفجوة بين الإنفاق والدخل الشهري الذي زاد من العوز والحاجة، وضاعف أعداد المصنّفين في دائرة الفقر. وهنا، لا بدّ من الإقرار بأن هذا الواقع بكلّ تحدياته وصعوباته المعيشية يبقى استثنائياً وظرفياً وليس حالة مستدامة، كما يحاول البعض من معتنقي “نظرية الفقر” والترويج له عبر أساليب عديدة ومحاولة إشعال نار الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد.
قبل أن نبدأ في تفنيد الافتراضيات التي تتضمّنها هذه النظرية وتقديم البراهين المؤيدة أو التي تنقض كل نتائجها، لا بدّ من التأكيد على مسألة مهمّة تندرج تحت مفهوم سحب البساط من تحت كلّ من سيحاول جرّ الكلام إلى الزوايا الضيّقة، وخاصة لجهة حالة الفقر العامة التي يتمّ تقديمها كبرهان لإثبات نظرية الجوع بالاستناد إلى الواقع المعيشي وضآلة الدخل الشهري وانخفاض قيمة الليرة أمام العملات الأخرى وغيرها من القضايا المعاشة، كالفوضى العارمة في الأسواق والغلاء وغياب الرقابة وضعف الأداء الاقتصادي، ويترافق ذلك مع ماكينة فيسبوكية نشطة تروّج لنظرية الجوع ويساهم فيها البعض بشكل مباشر وغير مباشر عبر بوستات وصور الكثير منها غير بريء من التحريف والاستغلال البشع والاستهداف الممنهج والمتاجرة بقضايا الناس في مجالات مختلفة.
لا بدّ من تصويب بعض القضايا المرتبطة بيوميات الناس، وهنا نتكلم عن الفترة الحالية التي لم يدخل الناس بعد في ثنايا الفقر المدقع أو الجوع بالمعنى الحرفي، كما يُشاع، فالسواد الأعظم من الناس ما زال يناور على خطوط ما يُسمّى تأمين (كفاف العيش) بالحدّ الأدنى. وهذا أول نقض لفرضية الفقر المدقع وما يتمّ الترويج له عن تحوّل الحاويات إلى موائد دسمة يتسابق لنبش كنوزها الفقراء الذين باتوا، كما يتمّ التسويق له، يشكلون الغالبية العظمى.
والمسألة الأخرى التي فشل في إثباتها أصحاب القرار نظراً للارتجالية والانفعالية السائدة في خطابهم وعدم قدرتهم على الإفصاح عن الكثير من القضايا التي تمرّ عبر مكاتبهم، بغضّ النظر إن كانت من فوق أو تحت الطاولة، وطبعاً هذه المسألة تتعلق بحالة الكثير من الأسواق، سواء العقارات أو السيارات أو المطاعم التي نجدها نشطة وبقوة، وتخطّت في بعض جوانبها كلّ الظروف، واخترقت حواجز الثراء الفاحش. فعلى سبيل المثال تتكاثر المطاعم رغم كل الأزمات، وفي جميع المواقع (الريف والمدينة) بطريقة تثير الانتباه سواء لناحية الانتشار أو الازدحام بالرواد، أو لجهة الشكوك بوجود الفساد الذي أنتج طبقة حديثي النعمة، وهذه الفرضية تنقض من خلال معادلات رياضية معاشية تعتمد إيجابية هذه المشاريع والأعمال (البزنس) ودورها في تأمين فرص العمل، وبالتالي المساهمة في دعم الاقتصاد وإيقاف مؤشرات البطالة والفقر، وتجميد معايير الفاقة وتضييق دوائر انتشارها إلى حدودها الدنيا.
بالنتيجة الأسواق العامرة، والتي تتوفر فيها جميع المواد وخاصة الغذائية تستبعد نظرية الجوع وتستبعد بشكل كلي فرضياتها المنزلقة في هاوية الحقيقة المدعمة بسلسلة الأولويات الوطنية التي تحيّد جميع النظريات المتشائمة وتعزّز من حضور ملحمة (لسّا الدنيا بخير).