ثقافةصحيفة البعث

“خنجر سليمان”.. من التاريخ إلى الرواية.. سرد تاريخي في زي رواية

يحرص الروائي الأردني الفلسطيني صبحي فحماوي بعد أي إصدار جديد له على تعريف الجمهور السوري به والوقوف على الآراء النقدية من قبل النقاد السوريين، لذلك زار دمشق مؤخراً حاملاً معه روايته الجديدة “خنجر سليمان.. من التاريخ إلى الرواية” إلى فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب الذي عقد ندوة نقدية عنها مؤخراً بإشراف د. إبراهيم زعرور رئيس الفرع، وبمشاركة د. حسين جمعة، د. فرحان اليحيى، أيمن الحسن، وأدار الندوة الناقد أحمد علي هلال الذي أكد في تصريح لـ “البعث” أن مناقشة رواية “خنجر سليمان” ستطرح العديد من الأسئلة لجهة حيّزها الدلالي والتخيلي وتعميق الإحساس بشخصية تاريخية بامتياز، فضلاً عن أسئلة إضافية تعني الرواية التاريخية التي حفر في أنساقها الروائي صبحي فحماوي، وهو الذي كتب في هذا الإطار روايته “قصة عشق كنعانية” عام 2009 و”أخناتون ونفرتيتي الكنعانية” عام 2020 و”هانيبعل الكنعاني” عام 2022 و”كفاح طيبة”، مبيناً أن “خنجر سليمان” ومن منظور سردي وفني لا تذهب إلى السرد التاريخي بقدر ما تذهب إلى حقائق تاريخية تتعالق بالخصائص الفنية وبمعمار يُعنى بدلالة العلاقة الروائية، انطلاقاً من الحدث الرئيسي للرواية وهو سفر سليمان الحلبي إلى مصر بهدف الدراسة في الأزهر.

الواقع مع المتخيل

وبيّن د. جمعة أن الكاتب في روايته حاول قراءة ما وراء الحدث، ولاسيما بعد أن شوّه بعض المؤرخين حقيقة التضحية العظيمة التي قام بها سليمان الحلبي مثل المؤرخ الجبرتي في كتاب “عجائب الآثار في التراجم والآثار” الذي حوى كثيراً من الآراء المتناقضة حول شخصية البطل برمتها، وهو لمّا تأكد أن مثل هذا العمل يمكن أن يقدّم له مادة نثرية لكتابة رواية تاريخية تعبّر عن كثير من القضايا المعاصرة، أخذ فحماوي قلمه وسطر ماهيتها كالهوية والأمة والمقاومة والممالأة التبعية والوحدة بين أبناء الأمة الواحدة، ورأى جمعة أن الكاتب جعل من العنوان “خنجر سليمان” عتبة لأحداث تتالت وقدمت حقولاً دلالية كثيرة وعظيمة، ويحتاج كل واحد منا إلى معرفتها ومعرفة رأي الكاتب فيها، وقد قسّم جمعة الرواية إلى عدة أقسام، منها القسم الأول الذي تحدث فيه عن نشأة سليمان والذي أوحى بأثر التربية والثقافة والعلم في تنمية وترسيخ مفهوم الانتماء للأمة، موضحاً أن فحماوي اعتمد فنياً على تقنية الاسترجاع والخطف خلفاً، ثم تقنية التحليل والاستشراف ليصوغ من خلال وعيه الوطني والقومي والإنساني والأخلاقي روايته، وصنع أهدافها بمزج الواقع مع المتخيل.

عنف الواقع وجمالية الفن

ورأى د. اليحيى أن رواية “خنجر سليمان” تاريخية بامتياز، تجمع بين الواقع المكتوب والخيال على نحو انتقائي وعناية مركزة، وقد شحنت المراجع التاريخية مخيلة الكاتب، فكانت مصدر إلهام ورصد فنّي لأحداث التاريخ في فترة زمنية تمتد من العام 1798 إلى العام 1801 أثناء حملة نابليون بونابرت على مصر، مبيناً أن هذه الرواية تستحضر التاريخ المكتوب وتصحّح مساره الحقيقي وذلك بالوقوف على محطات مضيئة ومظلمة في التاريخ العربي بطريقة فنية تجمع بين عنف الواقع وجمالية الفن، فتبدو حيّة ودقيقة وأصدق من التاريخ نفسه، مشيراً إلى أن الفن ابن التاريخ، والتاريخ هو الذي يقدّم للفنان المادة والموضوع ليصنع منها عمله، ولاسيما أن عمل الفنان هو عمل انتقائي، مع تأكيده أن التاريخ هو ثروة روائية هائلة ومتنوعة، والرواية عادةً ما تكون بمنزلة الشرفة التي يطلّ منها الروائي على الكل، وبعد دخول اليحيى في تفاصيل الرواية خلص إلى أن رواية “خنجر سليمان” تاريخية بامتياز وتجمع بين الواقع المكتوب والخيال، وأن المراجع التاريخية شحنت مخيلة الكاتب، فكانت مصدر إلهام يضيف الأحداث والتفاصيل المسكوت عنها لأحداث الرواية التي لها أبعاد موضوعية كالبعد القومي العروبي والتركيز فيها على وحدة المشاعر الإنسانية والمصير المشترك للأمة العربية، إلى جانب استثمارها للتاريخ العربي في تلك الحقبة للنهوض بالواقع العربي وتوجيه الأحداث والوقائع نحو هدف يخدم القضية العربية قضية فلسطين، مبيناً أن شخصيات الرواية تشكل عصب الرواية وحاملاً ثقافياً وأخلاقياً وأيديولوجياً، وهي في تقابلها وتفارقها وتشابكها تكون جوهر الصراع بين الحق والباطل، المقاومة والاستلاب، مع إشارته إلى أن رواية “خنجر سليمان” تجسّد رؤية الكاتب وموقفه من قضايا الأمة العربية، وتستشرف آفاق المستقبل بنظرة تفاؤلية ومحتوى ثوري انقلابي.

وثيقة

وبعيداً عن المجاملة، لم يتردد الحسن في التأكيد على أن الرواية اعتمدت على الأسلوب المتسلسل في سرد قصة سليمان الحلبي بتوثيق طويل لا فائدة منه عن مجريات طفولته وشبابه مع أمه وأبيه وجدته وجارته، مع تفصيلات تشعرنا أن الروائي فحماوي بصدد كتابة مسلسل عن البيئة الشامية وعن صراعات النسوة في الحارة، إضافةً إلى تفصيلات أخرى لم يكن لها داع، مؤكداً أن الكاتب كان يحشر نفسه في السرد كثيراً، حيث يقطع السرد فجأة ليقول: “يبدو أني أسهبت كثيراً في السرد”، فجاءت الرواية برأيه سرداً تاريخياً في زي رواية، مع افتقادها للمراجع والخيال والرؤية المستقبلية والتحليل العميق لأي شخصية من شخصياتها، فكانت وثيقة تهرَّب فيها الكاتب من مسؤولية كتابة الرواية، فكانت معبأة بالأدلجة السياسية والحديث المكرور عن تفصيلات يعرفها الجميع.

وخُتِمت الندوة بكلمة للروائي فحماوي اكتفى فيها بالتأكيد على أنه يحترم كل ما جاء في كلمات المشاركين والتي تعبّر عن آرائهم الخاصة تجاه الرواية التي كتبها، شاكراً جهود فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب لعقد الندوة، وكذلك المشاركين فيها.

أمينة عباس