مُتابعة للعقل والمشاعر
عبد الكريم النّاعم
… قال: “تحدثتَ عن العقل والمشاعر لدى الإنسان، وذكرتَ ما يُشبه العقل، وهذا كلّه في العالَم البشريّ، ونحن لسنا وحدنا فوق ظهر هذه البسيطة، إذْ ثمّة مخلوقات من الجمادات، إلى النّباتات، إلى عالم الحيوان، الذي نحن أرقاه، خلْقاً وخُلُقاً”.
قلت: “تعال معي لنتجوّل قليلاً في تلك العوالم، وأشير إلى أنّ تقدّم العلوم قد كشف الكثير الكثير، وظلّت ثمّة غوامض، بقيتْ غير معروفة، ربّما لأنّ ما تُرك منها متعلِّق بالروح، وهذه العوالم لا تشغَل بال علماء الغرب، إلاّ ما ندر، لأنّها ليستْ ممّا يدرّ المال، وثمّة في بلادنا العربيّة الإسلامية، وفي بلدان الشرق الأقصى روحانيّون مرّوا بتلك الحقول من خلال رؤى، لا يُمكن إخضاعها للتجربة، وإنْ كان في بعض علوم الغرب ما يشير إلى ذلك، لا عن قصد، بل بالتّوافق الذي تحمله المصادفة.
ثمّة قول لأحد أهل العرفان، خلاصته ما من شيء في ذاته إلاّ وهو روح تعلم ما يصل إليها، وهذا يستدعي بشكل غير مباشر بعض ما ورد في الفلسفة اليونانيّة، هذا في عالم الجماد، أمّا ما هو أعلى، في عالَم النّبات، ثمّة دلائل كثيرة تدلّ على أنّ لديه إحساساً ما، والإحساس لا يملكه الأموات، فقد رُصِدتْ حالات، كان النّبات الموجود في البيت، أو الذي يرعاه صاحبه، هذا النّبات يمرض بمرضه، وينتعش بعودة رعايته، وقد ذكرتُ في مقالة أنّ أشجار الغابة التي عرفتْ قطْع الأشجار حولها، تنكمش حين ترى البلْطة، هذا ما قاله علماء غربيّون، فإذا صعدْنا إلى عالَم الحيوان فثمّة أعاجيب لافتة، فالحيوانات تعرف الخوْف، وتهرب منه، وفي الذئاب على سبيل المثال ما يلفت، فهي الحيوانات الوحيدة التي لا تتزوّج بالأخت، أو بالأمّ، ويكتفي الذئب أو الذئبة بزوج واحد، ولا يتزوّج أحدهما إذا فقد زوجه، والذئاب الفتيّة ترعى شيخوخة أبيها، فتجهد في تأمين الطعام وإحضاره إليه، وفي عوالم النّمل ما يُشير إلى تنظيم مُدهش، وحين تُخطئ نملة في الدلالة على مكان طعام، كَذِباً، فإنّها تُقتَل، أمّا عالم النّحل ففيه ما يدعو للتوقّف والتأمّل، فالنّحلة التي ترود للاهتداء لمواقع الأزاهير، تعود وتتحرّك بجسدها حركات محدّدة، تعطي فيها جهة الحقل وبُعْده، وفي عالم الطيور ما يُثير، وقد عرفنا من خلال ما رصده الراصدون، كيف ترقص، وتنفش ريشها لاستجلاب الأنثى..”.
قاطعني: “هل تريد القول إنّ فيما ذكرتَ عقلاً ما”؟
قلت: “بل الغريزة الثابتة، دون أي ابتكار، ويحضرني قول للإمام الصادق (ع) مفاده “لقد أُبْهِمت البهائمُ إلاّ عن ثلاث، معرفة ذكورها من إناثها، ومعرفة مضارّها من منافعها، ومعرفة أنّ لها خالقاً”، فهي لا تأكل النباتات السّامّة”.
قاطعني بانفعال: “هذا يعني أنّ لها عقلاً”.
قلت: “تصعب تسميته عقلاً، لأنّ العقل العقل، كما قلنا هو نورانيّ التصنيف، وبِفقْد النّورانيّة يُصبح (شبيهاً) بالعقل..”.
قاطعني بما يُشبه الاحتجاج: “إذن ماذا نسمّي ما ذكرتَ، من عالَم النبات، والحيوان؟!!”.
قلت: “كما أرى، وعسى ألاّ أُخطئ، هو معنى من معاني الإدراك المناسِب للترتيب الوجودي، في درجات الخلق، فهو إدراك بالغريزة المخلوقة فيه”.
صمت قليلاً وقال: “هل ترى من فائدة في الخوض في مثل هذه الأفكار”؟.
قلت: “أيّاً كانت الظروف التي تُحيط بنا، فإنّ العقل البشريّ سيظلّ يفكّر في بعض ما قلناه، وأنا أعرف أنّه خارج سياق ما نعانيه مرحليّاً، ولكنّه سيظلّ همّاً وجوديّاً لدى البعض، أسوق إليك، للتأكيد، ما جاء في قاموس أكسفورد: “العقل: الموضوع غير المحسوس للملكات النفسيّة، أو الروح بوصْفها مستقلّة عن الجسم..”.
aaalnaem@mail.com