“المكارثية الجديدة” في الولايات الأمريكية
عناية ناصر
منذ بداية هذا العام اتخذت العديد من الولايات في أمريكا إجراءات معادية للصين على التوالي، حيث حظرت أكثر من عشرين ولاية في شهر أيار على الصين شراء الأراضي الزراعية. وفي 21 آب، ذكرت صحيفة” واشنطن بوست” أن المشرّعين في 33 ولاية قدموا 81 مشروع قانون هذا العام من شأنه أن يحظر على الحكومة الصينية وبعض الشركات الموجودة في الصين والعديد من المواطنين الصينيين شراء الأراضي الزراعية أو العقارات بالقرب من القواعد العسكرية. كما أعلنت بعض الولايات أنها ستمنع الإدارات الحكومية من استخدام طائرات من دون طيار صينية الصنع وغيرها من المعدات.
هناك ثلاثة أسباب وراء إدمان الولايات المتحدة وتعطّشها لتضخيم القضايا المتعلقة بالصين:
- أولاً، قامت الولايات المتحدة بمنافسة إستراتيجية شاملة ضد الصين، ومنذ إدارة دونالد ترامب، وضعت الصين كمنافس، واقترحت نهجاً يشمل الحكومة بأكملها والمجتمع بأكمله في التعامل مع الصين، الأمر الذي أدّى إلى تراجع العلاقات الثنائية. كما واصلت إدارة بايدن في تفاقم نظرة الولايات المتحدة للصين، ونمت المشاعر المعادية والتي انتقلت بسرعة إلى ولايات مختلفة. وعندما تستمر الحكومة الفيدرالية في استخدام الصين كعدو وهمي، وتدعو إلى المزيد من الاستثمار المحلي لحماية الولايات المتحدة من “التهديدات”، فمن الطبيعي أن ترى الولايات فرصاً سياسية وتأمل في استغلال هذه الفرصة لكسب دعم الناخبين.
- ثانياً، أثارت القوى المتطرفة في الحزب الجمهوري بالتحريض على موجهات مناهضة للصين، وفي نظر العديد من الجمهوريين، فإن معاداة الصين أمر صحيح سياسياً بتكلفة منخفضة وعوائده مرتفعة. كما تعدّ الأجندات المناهضة للصين سلاحاً سياسياً مهماً بالنسبة لهم لمهاجمة الديمقراطيين، وخاصة خلال إدارة بايدن. وأصبحت “الولايات الحمراء” في ظل الحزب الجمهوري القوة الرئيسية لهذه الجولة من الموجات المناهضة للصين. على سبيل المثال، من الواضح أن المقترحات المتعلقة بالصين التي قدّمها المشرّعون في تكساس وفلوريدا تجاوزت مقترحات الولايات الأخرى، بل إن القوى اليمينية المتطرفة أصبحت “في مقدمة” مناهضة للصين. وكان السيناتور الأمريكي ماركو روبيو، الذي يمثل ولاية فلوريدا، منذ فترة طويلة من الصقور المشهورين المناهضين للصين، ولم يدخر جهداً لتسميم الأجواء المتعلقة بالصين على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولايات.
- ثالثاً، تتواطأ الشعبوية الأمريكية مع العنصرية، حيث كان فوز ترامب في الانتخابات عام 2016 بمثابة عودة الشعبوية الأمريكية، وسعى السياسيون المحليون إلى البحث عن كبش فداء أجنبي لتحويل الصراعات الداخلية. إن تصور الصين باعتبارها “التهديد الأكبر” للاقتصاد الأمريكي والأمن وأسلوب الحياة دخل في أذهان الكثير من الناس، وقد منحهم تفشي وباء كوفيد-19 الذريعة لرفع “التهديد الصيني” إلى مستوى العنصرية، الأمر الذي أدى إلى عدد كبير من أعمال العنف ضد الصين وآسيا، فضلاً عن الظهور الخطير لـ”المكارثية الجديدة”، وعلى المدى الطويل، قد يكون له تأثير سلبي على بيئة السياسة الأمريكية تجاه الصين والعلاقات الصينية الأمريكية.
وفي هذا الصدد، ينبغي التعامل مع الجوانب الثلاثة التالية على الأقل عبر مواصلة تعزيز التبادلات الودية والعقلانية في كافة مناحي الحياة في مختلف الولايات الأمريكية، وخلق أكبر عدد ممكن من الظروف الإيجابية “لتهدئة” أجواء الرأي العام المناهض للصين في الولايات المتحدة. ومع تزايد شراسة اللعبة الإستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة، وتحول معاداة الصين إلى “صواب سياسي”، أصبح “الصوت العقلاني” في الولايات المتحدة أضعف. كثير من الناس غير راغبين أو خائفين من التحدث علناً، لكن هذه الأصوات لا تزال موجودة ولها تأثير سياسي معين. في الآونة الأخيرة، اتخذ العديد من الخبراء والباحثين والناشطين الاجتماعيين زمام المبادرة للتحدث علناً، ودعوا الولايات المتحدة إلى إعادة ضبط سياستها تجاه الصين ومنع البلدين من الوقوع في الحرب، وهذا من شأنه أن يساعد في تخفيف المشاعر المتشدّدة المناهضة للصين في الولايات المتحدة إلى حدّ ما. كما أنه من الضروري العمل على تعزيز التبادلات الشعبية والثقافية بين الصين والولايات المتحدة، وتعزيز الفهم الموضوعي للصين في الولايات المتحدة.
قد تستمر بعض الدول لبعض الوقت في المستقبل في إثارة القضايا المتعلقة بالصين، والمبالغة في تهديد الصين، وتكثيف الجهود لتقييد الاستثمارات والأنشطة التجارية الصينية في المنطقة المحلية، وحتى مضايقة الصينيين الذين يعيشون ويعملون هناك. وفي هذا الصدد، من الضروري، من ناحية تعزيز تقييم الوضع المحلي، والتذكير بالسلامة مسبقاً، ودعم المجموعات ذات الصلة لحماية حقوقها ومصالحها من خلال القنوات القانونية. ومن ناحية أخرى، من الضروري الكشف أمام المجتمع الأمريكي والجمهور عن محاولات السياسيين المعنيين إثارة الصراعات العنصرية لتحقيق مكاسب شخصية وزيادة تكاليفها المناهضة للصين.