أين الوحدة الثقافية الإعلامية العربية الإلكترونية؟
غالية خوجة
مرّت الصحافة الثقافية العربية بعصر ذهبي بدءاً من انطلاقتها القديمة، هادفة من جملة ما هدفت، إلى الوعي والفكر وترسيخ الانتماء، وتطورَ أداؤها التقني والفني والفكري مع تطور الأدوات والوسائل الطباعية، وتنوّعت اتجاهات الدوريات اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية بين سياسية وثقافية وفنية ونقدية وساخرة، وتكاثرت، وازداد قراؤها شغفاً، واستمرت مرحلتها المتألقة منذ مطالع القرن التاسع عشر إلى لحظة ظهور الفضاء الإلكتروني وانطلاقة الصحافة الرقمية مع عصر التكنولوجيا، مما ساهم في التراجع المتسلسل للإصدارات الورقية من دوريات وكتب.
ولن ننسى كيف كانت أكشاك ومكتبات ومحلات بيع الجرائد والصحف والمجلات في حلب تجعلنا في حيرة من أمرنا لأننا نريد أن نشتري كلّ يوم كلّ الصحف والمجلات السورية والعربية، وكنا نترك حجزاً مسبقاً لدى البائع لنحصل على بعض تلك الدوريات، ومنها الصحف اليومية التي أسّست لملاحق أسبوعية مختلفة سياسية وفنية وثقافية، ومنها صحيفتنا “البعث” التي أضافت لمسيرتها مجلة البعث الأسبوعية.
وكم كنّا نتنافس لنحصل على هذه الصحف، ونجلس في مقهى “السياحي” الذي دمّره الإرهاب مع ما دمّر من أمكنة وعراقة، لكنها الذكريات تنمو مثل الأشجار، فتتجذّر بين كلمة ومعنى، وكانت الجهات الإعلامية من كافة المحافظات تعرف أن الكتّاب والفنانين يجتمعون في هذا المقهى، ونراهم بيننا ودون موعد مسبق لحوار ورأي وبرنامج، وكانوا يستغربون من هذا الجو الحاشد الذي كنا نختلف فيه على الجماليات، وكلٌّ منا يقرأ للآخر كتاباته ليصغي لرأيه، ويتناقش، تماماً، كما كانت بقية المحافظات ومنها دمشق ومقاهيها مثل الهافانا والروضة وغيرهما، تلك التي يقصدها مباشرة أي أديب عربي مثل محمود درويش وعبد الوهاب البياتي ومظفر النواب.
وكم من مقهى ثقافي فني افتُتح في حلب ليعرض أعمال الفنانين التشكيليين بمعدل شهر لكلّ فنان مع قابلية الاقتناء بأسعار مناسبة، إضافة لتخصيص زاوية لمكتبة مزدحمة بالعناوين، وزاوية أخرى لجميع الصحف اليومية ليقرأها الرواد.
وكم من “غاليري” في حلب فتحت أبوابها لجميع الأدباء والفنانين لتكون أقرب إلى ملتقى أدبي فني، أو صالون ثقافي، ومنها غاليري محسن خانجي التي ما تزال تستضيف الجميع رغم كلّ الظروف التي حوّلت غالبية المقاهي للتسلية والنرجيلة!
ولم تقتصر الصحف على صفحاتها الثقافية اليومية وملاحقها الأسبوعية، بل انسجمت مع خطة اليونسكو الثقافية، وتمّ اختيار نماذج من الكتابات لنشرها في “كتاب في جريدة”، وكان مهمّاً برأيي لأسباب عديدة، أولها كونه عكسَ الوحدة العربية ثقافياً، وثانيها أنه وحّد توقيت إصداره الشهري في كافة أرجاء الوطن العربي، وثالثها ساهم في محبة القراءة وجذب فضول الاطلاع على التجارب العربية وشغف المناقشة، وهذا الكتاب أو ما يشابهه في هذا المجال، للأسف، لم يحضر في عوالم الشاشة الإلكترونية.
وأقترح، ومن هذا المنبر، أولاً، أن تكون لدينا مبادرة عربية تقوم بها الجهات المعنية ومنها اليونسكو والجامعة العربية ووزارات الثقافة واتحادات الكتّاب العربية تخصّ الكتاب الإلكتروني العربي ككتاب مقروء ومسموع؛ وثانياً، أن يكون هناك موقع إلكتروني خاص بجميع الأدباء العرب لينشروا أعمالهم ويتعارفوا ويتحاوروا، مما يساهم في توظيف الفضاء العنكبوتي بطريقة تفاعلية متفاعلة تجمع وتوحّد؛ وثالثاً، أن يكون هناك موقع عربي للصفحات الثقافية العربية اليومية مع ترجمة الصفحات الثقافية الأجنبية إلى العربية، للاطلاع التفاعلي الذي يضيف بعداً معرفياً للإعلام العربي والمواطن العربي ويشجّع على القراءة والمساهمة الفعالة في الانتشار والمتابعة والمناقشة.
وأثق بأن أمتنا العربية تستطيع فعل ذلك إذا ما أرادت، لأنها تثق بكتّابها وإعلامييها ومفكّريها وعلمائها وفنانيها وقرائها ومجتمعها ولغتها العربية وهويتها وثقافتها وانتمائها وحضارتها التي توحّدنا، فلماذا لا نتوحد ثقافياً وإعلامياً؟.