دراساتصحيفة البعث

على اليابان أن تدفع ثمن تفريغ المياه الملوثة

ترجمة: عائدة أسعد

بدأت اليابان في إطلاق المياه الملوثة نووياً من محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية المتضرّرة إلى المحيط الهادئ، متجاهلة حقيقة أنها ستسبّب ضرراً لا يمكن التنبؤ به للبيئة البحرية وبالتالي للبشر.

إن الحكومة اليابانية، بكل ما لديها من أدلة، لم تتمكّن من إقناع المجتمع الدولي بأن المياه المشعّة آمنة لإلقائها في البحر، وحتى أن صناعة صيد الأسماك في البلاد احتجت على خطة تصريف المياه المشعّة على الرغم من تعهد الحكومة بتعويضها عن خسائرها.

وقد أعرب العديد من العلماء اليابانيين عن مخاوفهم بشأن التأثيرات طويلة المدى للمياه المشعّة على النظام البيئي البحري، وفعالية نظام معالجة السوائل المتقدّم في إزالة جميع النويدات المشعّة من الماء، حيث تحتوي المياه المشعّة على أكثر من 60 نويدات مشعّة، بما في ذلك التريتيوم، الذي لا يمكن معالجته بشكل فعّال، ولا تزال أكثر من 70% من المياه المعالجة المخزنة في الخزانات في منشأة فوكوشيما تحتوي على عناصر مشعّة تتجاوز بكثير الحدود التنظيمية للتصريف.

وقال شيغيوشي أوتسوكا، عالم الكيمياء الجيولوجية البحرية في جامعة طوكيو: إن الشكل العضوي للتريتيوم يمكن أن يلوث الكائنات البحرية، بما في ذلك الأسماك والمأكولات البحرية الأخرى، ولذلك فمن المهمّ تقييم التأثير البيئي طويل المدى للنويدات المشعّة. كما أن أكثر من 80% من الشعب الياباني، وفقاً لمسح أجرته وكالة “كيودو” في تموز الماضي، قالوا إن تفسير الحكومة بشأن إطلاق المياه المشعّة المعالجة في البحر غير كافٍ.

أيضاً تعارض العديد من الدول خطة التفريغ اليابانية، وعلى الرغم من أن حكومة جمهورية كوريا سحبت مؤخراً معارضتها لخطة تصريف المياه اليابانية لأسباب سياسية، إلا أن أكثر من 85% من شعب جمهورية كوريا يعارضون الخطة، وذلك وفقاً لاستطلاع أصدره الاتحاد الكوري للحركات البيئية في أيار الماضي.

وبخلاف الدول المجاورة لليابان مثل الصين وجمهورية كوريا، عارضت دول جنوب شرق آسيا وجزر المحيط الهادئ وحتى دول أمريكا اللاتينية خطة التفريغ، وعلى الرغم من أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة حافظ على صمت مدروس بشأن هذه القضية، لأسباب سياسية واضحة، فإن العديد من العلماء الغربيين والجماعات البيئية يعارضون الخطة، قائلين إنه سيكون للنويدات المشعّة في المياه تأثير سلبي كبير على النظام البيئي البحري.

ومن المرجّح أن تفوق خسائر اليابان أيضاً مكاسب اختيار الطريقة الأرخص للتخلّص من المياه المشعّة، لأن صورتها الدولية ستتعرّض لضربة خطيرة لن تتمكّن من الخروج منها لسنوات، ناهيك عن تكلفة صناعة صيد الأسماك.

وقد قامت أكثر من 10 دول بالفعل بتقييد استيراد المنتجات الغذائية، بما في ذلك المأكولات البحرية، من فوكوشيما، مع تعليق الصين استيراد جميع المنتجات المائية التي منشؤها اليابان، كما حظرت منطقتا هونغ كونغ وماكاو الإداريتان الخاصتان بالصين استيراد المنتجات المائية من 10 محافظات يابانية، وكان البر الرئيسي الصيني وهونغ كونغ من بين أكبر المستوردين للمنتجات الزراعية اليابانية.

وعلاوة على ذلك، في أعقاب قرار اليابان بالمضي قدماً في خطة التفريغ، من المرجح أن يقوم عدد متزايد من البلدان والمناطق بتعزيز الاختبارات على واردات المأكولات البحرية من اليابان أو حظرها، وستعاني قطاعات السياحة والمطاعم والتجزئة في البلاد أيضاً بسبب قرار الحكومة اليابانية، مما يزيد من تباطؤ انتعاشها الاقتصادي.

وفي مثل هذه الظروف، يتعيّن على المجتمع الدولي أن يتخذ التدابير اللازمة لضمان تحمّل اليابان المسؤولية القانونية والأخلاقية عن أفعالها، وتقديم التعويضات لجميع الأطراف المتضررة، حيث تنصّ المادة 192 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على أن الدول ملزمة بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها، وتتطلب المادة 195 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار من الدول التصرف بطريقة لا تنقل الأضرار أو المخاطر من منطقة إلى أخرى، أو تنقل نوعاً من التلوث إلى آخر.

إن اليابان، على الرغم من كونها من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فشلت في الوفاء بهذه الالتزامات، ومن ثم فإن القضية صالحة لعرضها على الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإحالتها إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بموجب الملحق السابع للحصول على رأي استشاري.

ومن خلال إحالة القضية إلى الأخيرة، وهي أكثر سلطة وتأثيراً، يمكن للدول إقناع الجمعية العامة للأمم المتحدة والمنظمة البحرية الدولية ومنظمة الصحة العالمية بتحريك محكمة العدل الدولية ضد اليابان حتى تتمكّن من إصدار فتوى بشأن خطة التفريغ، وفي حال نجاحها فإنها ستوفر دعماً قوياً للتقاضي والتحكيم الدولي.

ووفقاً للقانون الدولي يمكن للدول أيضاً أن تطلب تعويضاً عن الأضرار الناجمة عن المياه المشعّة، وبالإضافة إلى المطالبة بالتعويض من شركة طوكيو للطاقة الكهربائية، المالكة لمنشأة فوكوشيما المتضررة، تستطيع الدول أيضاً أن تطلب تعويضاً من الحكومة اليابانية وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار واتفاقية منع التلوث البحري الناجم عن إلقاء النفايات ومواد أخرى.

من أجل تحديد مسؤوليات الحكومة اليابانية وشركة تيبكو، يجب على المجتمع الدولي إنشاء آلية إشراف لمراقبة تصريف وتأثيرات المياه المشعّة على النظام البيئي البحري، ويتعيّن على الدول المطلة على المحيط الهادئ جمع الأدلة وإجراء الدراسات لاتخاذ إجراءات دبلوماسية وقانونية ضد اليابان بسبب تصرفاتها الأنانية غير المسؤولة.