غلاء الأسعار يضعف المُنتج والمستهلك معاً
عبد اللطيف عباس شعبان
غلاء الأسعار يضعف المُنتج والمستهلك معاً، فغلاء مواد الوقود وبقية المستلزمات الإنتاجية الأخرى (ما هو منتج محلياً منها أو ما هو مستورد)، أدى لارتفاع الكلفة الإنتاجية للوحدة المُنتَجة لدى كافة المنتجين من صناعيين وحرفيين ومزارعين ومقدِّمي خدمات، وترتَّب على ذلك خروج العديد من المنتجين الصغار من ميدان الإنتاج، لعدم قدرتهم المادية على تأمين مجمل متطلبات العملية الإنتاجية، كما خرج أيضاً عدد من المنتجين من النوع المتوسط أو الكبير، من الإنتاج لانخفاض نسبة الأرباح المعتادة لديهم، الأمر الذي أضعف من همّة رأس المال الخاص لإحداث منشآت جديدة، وانصراف رجالاته للرحيل خارجاً، أو لاستثمار أموالهم في شراء الذهب والعقارات والعملة الصعبة.
واقع أدّى لنقص كبير في كمية ونوعية إنتاج السلع التي عزفوا بإنتاجها، وقد ظهر ذلك جلياً في جميع المنتجات الزراعية والصناعية والحرفية والخدمية، وأدى إلى تضخم كبير في أسعار ما اتجهوا لشرائه من الذهب والعقارات والعملة الصعبة، كما أدى العزوف عن الإنتاج إلى توقف منشآت إنتاجية وخروج العديد من العاملين من عملهم، وترافق ذلك مع ضعف إحداث منشآت جديدة، ما تسبّب في الإقلال من فرص العمل للداخلين الجدد إلى سوق العمل من الجيل الناشئ، على تعدّد وتنوّع مستوياتهم الدراسية، وترتب على ذلك هجرة مئات الآلاف من الكفاءات العلمية والمهنية لبلدان الاغتراب، وزاد في الطين بلّة أن الحكومة لم تولِ الاهتمام بإعادة عشرات منشآت القطاع العام القديمة المتوقفة عن العمل، لا بل أظهرت ضعف همّتها في إحداث منشآت جديدة، فنسبة الأموال المخصّصة للاستثمار في الميزانية ضعيفة جداً قياساً بالنسبة المخصّصة للاستهلاك، وهذا بدوره أضعف همّة القطاع الخاص في إحداث منشآت، بعكس ما كان مأمولاً منه، بسبب طموحه الكبير، أو لما شكى من تعسير وعرقلة لأعماله..
كذلك أضعف غلاء الأسعار نمو الإنتاج السلعي بشكل كبير لجميع منتجات القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، والمنتجات الصناعية والحرفية والخدمية، قياساً بمتطلبات النمو السكاني من هذه المنتجات، ما أدى لتضرّر المستهلكين كثيراً نتيجة الارتفاع المتتالي لسعر الوحدة المنتجة من جميع أنواع الإنتاج، بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجها وبسبب انخفاض عدد الوحدات المنتجة، وقابل ذلك ضعف قدرة المستهلكين الشرائية للكميات التي اعتادوا استهلاكها في ظلّ تراجع المداخيل والقوة الشرائية بشكل كبير، ما اضطر الكثير منهم لتخفيف حجم الادخار المعهود لديهم، بل ولانعدامه كلية عند البعض الآخر، ما دفع المستهلكين تحت ضغط الحاجة الملحّة إلى صرف مدخراتهم القديمة لشراء مستلزماتهم الاستهلاكية اليومية..
أيضاً فإن الارتفاع الكبير المتتالي في أسعار مواد البناء، تسبّب في أضرار كبيرة لحقت بجميع العاملين في مهن البناء على تعدّدهم وتنوع أعمالهم – وما أكثر مهنهم وأكثرهم – نظراً للانخفاض الكبير في عدد ومساحات الأبنية كلّ عام عن العام الذي سبقه، وهذا الارتفاع الكبير تسبّب في إضعاف قدرة الشباب الناشئ على إنشاء مسكن لزوم الحياة الزوجية ومتطلباتها الاجتماعية والإنسانية، وهذا ما نجم عنه عزوف الكثيرين عن الزواج، وأدّى إلى زيادة كبيرة في حالات العنوسة من الذكور والإناث، والتي سيكون لها عواقب اجتماعية كبيرة وخطيرة.
غلاء الأسعار أدّى لإضعاف النمو الإنتاجي والنمو الاستهلاكي لكافة السلع، وأيضاً سيؤدي إلى إضعاف النمو السكاني، نتيجة العزوف عن الزواج وتحجيم الإنجاب، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار متطلبات الأطفال من حليب وطبابة وأدوية، ومتطلبات الأبناء التعليمية في المراحل الدراسية (الروضة – التعليم الأساسي – التعليم الثانوي – التعليم الجامعي)، وخاصة نفقات التعليم المنزلي (الساعات الخصوصية العالية السعر والكثيرة الانتشار)، وحاجات الأبناء المرتفعة السعر من الألبسة المدرسية والدفاتر وأنواع القرطاسية لجميع المراحل الدراسية.
وبناءً على ما سبق ربما قد يكون من الجائز القول: إن واقع الحال يثبت أن غلاء الأسعار المتتالي لجميع المواد يؤسّس لمزيد من الأخطار، فلتكن على بيّنة من أمرنا في حكمة القرار.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية