درع الوطن والأمة: الهوية الوطنية السورية
د.عبد اللطيف عمران
في سياق الحاجة الماسّة اليوم إلى درع تحمي ما أنجزته الروح الأبية للأجداد والآباء، لتكون هذه الدرع عاصماً للأبناء والأحفاد من الفتنة والفرقة والتشرذم والضياع، في هذا السياق يرى الوطنيون السوريون، المرموقون منهم والأكفياء، أن هذه الدرع هي نفسها الهوية الوطنية السورية، التي هي – كانت ولاتزال وستبقى – : (روح الفرد والمجتمع والدولة، وهي الوعي الفردي والاجتماعي من حيث الانتماء إلى سورية في فضائها المعهود جغرافياً وتاريخياً وثقافياً، قيماً وأعرافاً وتقاليد… فهذا جميعه هو الذي يحدد الهوية الوطنية، والشخصية السورية أيضاً. وهذه الهوية ليست مجرد مجموع الإرادات الفردية، ولا المناطقية فحسب، لأنها مرتبطة بوجود، وبكيان سياسي هو الدولة – الجمهورية العربية السورية – إذ هي ليست مجرد شجرة أنساب، وسير حلّ وترحال، وهي بالمقابل لا تقوم بالإحلال، ولا بالصهر والإدماج، وإنما بالاندماج، والإضافة، والتضافر، والتكامل، والتكيّف، وباحترام الخصوصيات اللغوية والدينية والعرقية والثقافية. فهي اليوم مشروع وطني حقيقي وكبير علينا إنجازه في ضوء التحديات الكبرى الراهنة في سياق حاجته إلى التفحّص والمراجعة الدائمة بسبب خصوصية الواقع الصعب الطارئة، انطلاقاً من أن هذه الهوية يجب أن تكون وتبقى أصيلة وجمعيّة، لأنها ليست نتاج فكرة مستوردة، أو ثقافة عابرة، أو رغبة شخصية).
ولعلّنا اليوم في أهم مرحلة من تاريخنا القديم، والحديث، والمعاصر، والتي نحن فيها أحوج ما نكون إلى تأكيد أصالة الهوية الوطنية السورية؛ إجلالاً، ووعياً، وانتماء، وحرصاً أيضاً على التمسّك بثوابتها ومحدداتها وعناصرها، ومنها الشعب والأرض، العلم والنشيد الوطني، الجيش والوطن وقائدهما…
فبعد فشل حرب الأعداء القدامى والجدد على سورية، وفيها، حرب الميدان، والبنى التحتية، تأتي اليوم الحرب الضروس على الهوية والوعي، على البنى الفوقية، على الرموز والإنجازات الوطنية، وهي الحرب الأخبث والأكثر ضراوة وأذى، فأنت تبني المصنع والجسر والبيت في زمن قابل للتحديد، لكن بناء العقل والهوية والإرادة يحتاج إلى جهود من نوع آخر أكثر تكلفة وصعوبة ، وأبعد بصراً وبصيرة.
دمّر أعداء الشعب والوطن ما دمّروا من المعامل والمشافي والطرق والجسور وسائر البنى التحتية، واليوم يعبثون باللغة والثقافة والهوية والإرادة والأعراف والقيم استكمالاً لمشروعهم الخبيث والمدمّر، والذي لا يصح إلا أن يكون مكشوفاً، ولا يجوز لأحد أن يكون منخرطاً في استراتيجيته وأهدافه، سواء عن دراية وقصد، أو عن جهل وبالمصادفة. إذ أنه من الكبائر اللقاء من قريب أو بعيد في نقطة تخدم أهداف أعداء الوطن والشعب من صهيو-أطلسيين، ومتطرفين وإرهابيين.
أجيالنا، وقبل عقد من السنين، في مشرق الوطن ومغربه، في شماله وجنوبه، خاض أجدادهم وآباؤهم سوية معركة التحرير الوطنية والاستقلال والجلاء من المستعمِرَين العثماني والأوروبي، ودرسنا ودرّسنا نحن الأبناء سوية المناهج والقيم والكتب في مدارس الوطن وجامعاته، حملنا الهمّ معاً، ونهلنا القيم والأعراف والتقاليد الوطنية والعروبية والإنسانية الأصيلة قلباً بقلب وعقلاً بعقل، فترسّخت وحدتنا الوطنية، وتمسّكنا سوية، واعتززنا معاً بهويتنا السورية الوطنية الأصيلة، وهزمنا العدوان العثماني والفرنسي والصهيوني والتكفيري على الوحدة والهوية الوطنيتين فصارت سورية قبل 2011 كما قال غيرنا: سويسرا الشرق . . . وعلينا اليوم استكمال إنجاز بناء صرح المجتمع السياسي الوطني المنشود.
هذه الهوية اليوم عرضة للعدوان، عدوان تتضافر عليه مخالب وأنياب دولية وإقليمية، والأصعب من هذه وتلك المحليّة منها التي علينا أن نعمل ونجتهد كي لا تضل الطريق، سواء كانت الأسباب مبررة أو غير مبررة، فقد أكلنا وشربنا سوية، وكذلك درسنا وعملنا وبنينا وأعلينا البنيان، وصبرنا وقاتلنا، ولاتزال الآمال والآلام واحدة، وكذلك الأعداء من دول واستراتيجيات وأهداف: صهيونية، وعثمانية، وأمريكية وتكفيرية وإرهابية، وعقوبات وحصار، كل هذا يطالنا جميعاً، فسورية كلها اليوم ضحية وهدف، وعلى من صبر منّا، ومن نفد صبره أن ينظر إلى حكمة المعالجة والصبر عليها بهدوئها وخبرتها، وإلى أن عماد هذه المعالجة هو الرهان على أصالة الروح الوطنية والعروبية، وعلى الهوية الوطنية السورية، على الوعي والانتماء، (على رجحان حكمة العقل الكلّي بكل عمقها)، فلا يلتقي أحد منا لا من قريب ولا من بعيد مع أي تصرف أو تفكير أو هدف لأعداء الشعب والوطن والأمة، ولا مع أي طرح في الفتنة والشتيمة والبذاءة، تتكالب عليه قنوات سفك الدم السوري التي لم ولن تستطيع بالأمس ولا اليوم الخروج من مأجوريتها وعمالتها وسرديتها لأنها كانت وستبقى صراصير، وحينها تداس بالأحذية، وستداس قريباً، بأصالة الوعي والهوية والانتماء.
فـ : سلام من صبا بردى أرقّ …
و : كأنّ من السموأل فيه شيئاً / فكل جهاته شرف وخلق