انتصار اليسار في غواتيمالا
هيفاء علي
يعدّ الفوز “المفاجئ” لـ برناردو أريفالو (69 عاماً) في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في غواتيمالا وحزبه اليساري “حركة سيميلا” في 20 آب الماضي بنسبة 60.90% من الأصوات إنجازاً حقيقياً، رغم أن اليمين بذل قصارى جهده لهزيمة المرشح الديمقراطي الاشتراكي قبل الاقتراع. في 12 تموز الماضي، بناءً على نصيحة النيابة العامة، أمر أحد القضاة بإيقاف حزب “سيميلا”، مشيراً إلى حدوث مخالفات أثناء إنشائه في عام 2017، وأعلن المدّعي العام رافائيل كوروتشيشي عن اعتقالات محتملة لقادته، إلا أن المحكمة الدستورية أوقفت قرار المدعي العام، الذي أبطلته المحكمة العليا فيما بعد. وبرناردو أريفالو، هو نجل أول رئيس منتخب ديمقراطياً لغواتيمالا عام 1945، عالم اجتماع ودبلوماسي سابق، تعرّض قبل الانتخابات لعدة مؤامرات بهدف اغتياله.
وإحدى المؤامرات، هي “خطة كولوسيو”، التي سُمّيت على اسم مرشح الحزب الثوري للانتخابات الرئاسية المكسيكية الذي اغتيل في عام 1994 (حزب الثورة المكسيكية، الذي انتقل في الأصل من الجناح اليساري إلى يمين الوسط في الثمانينيات)، واستهدفت بشكل مباشر برناردو أريفالو.
أما الهجوم الثاني فقد استهدف أيضاً نائبة الرئيس المنتخبة كارين هيريرا، وكان من المقرّر أن تنفذ عصابة محلية عمليات الاغتيال. وفي 24 آب الحالي، أمرت لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان الحكومة بضمان حماية المرشحين المنتخبين اللذين لم يظهرا علناً للاحتفال بفوزهما. وكان برناردو أريفالو، الفائز في الاقتراع، الذي أظهر نسبة تاريخية من المشاركة، ودون وقوع حوادث ملحوظة، بحسب المحكمة الانتخابية العليا، في مواجهة ساندرا توريس، 67 عاماً، السيدة الأولى من 2008 إلى 2022، وهي أيضاً من يسار الوسط. ومع ذلك، فإن ساندرا توريس، زعيمة حزب “وحدة الأمل الوطنية”، التي أرادت أن تنأى بنفسها عن منافسها الديمقراطي الاشتراكي، اقتربت من اليمين المحافظ والإنجيليين، حيث ظهرت كممثلة لـ”المؤسسة”، على الرغم من ديماغوجيتها، وتقديمها وعوداً ببرامج اجتماعية ومساعدة للفقراء.
كما حظيت بدعم الرئيس اليميني المنتهية ولايته أليخاندرو جياماتي، الذي تعتبر ولايته مرادفة لمعاناة الشعب الغواتيمالي من الفساد والفقر والعنف.
في الأيام التي أعقبت نتائج الاقتراع، وبعد طلب الحماية القضائية -وهي آلية قانونية تسمح للأفراد بممارسة التماس مباشر لمراجعة الدستور- أصدره تسعة مرشحين يمينيين خاسرين، أمرت المحكمة الدستورية المحكمة الانتخابية العليا بتعليق العمل، وإضفاء الطابع الرسمي على النتائج حتى التحقق منها، وهو القرار الذي استنكرته بعثة مراقبة الانتخابات في غواتيمالا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية. وبعد أسبوعين من الانتظار، رفضت محكمة العدل العليا أخيراً الاستئناف.
وبين جولتي الانتخابات الرئاسية أيضاً، أعلن مكتب المدعي الخاص لمكافحة الإفلات من العقاب عن قضية فساد تُسمّى الفساد في حزب “سيميلا”، أمر في سياقها القاضي فريدي أوريانا بإيقاف حزب “سيميلا” السياسي، وهو حزب برناردو أريفالو. ولو أصبح هذا الإعلان ساري المفعول، لكان سيتمّ رفض ترشيح برناردو أريفالو في الجولة الثانية. ومع ذلك، ينصّ قانون الانتخابات على أنه لا يجوز تعليق عضوية حزب سياسي أثناء الانتخابات، ويجب على المحكمة الدستورية تعليق الأمر. وعندما أُعلن الأمر، كانت هناك ردود فعل غاضبة فورية من الكنيسة الكاثوليكية، وكذلك الجامعات ومجتمعات السكان الأصليين ومنظمات حقوق الإنسان التي دعت إلى احترام العملية الانتخابية. لقد جعل برناردو أريفالو من الحرب ضد الفساد ومن أجل الديمقراطية حصان معركته الانتخابية، وهو الذي أكد عند إعلان فوزه أن “الشعب تحدث بصوت عالٍ وواضح”، وتحدث بصراحة ضد الفساد وهنأه على الفور نظيراه المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، والسلفادوري ناييب بوكيلي، اللذين طرحا في الانتخابات فكرة “البرنامج المشترك. وقال الرجل الذي سيتولى مهامه الرئاسية في 24 كانون الثاني القادم: “لقد كنا ضحايا وفريسة للسياسيين الفاسدين لسنوات، التصويت يعني القول بوضوح إن الشعب الغواتيمالي هو الذي يدير هذا البلد، وليس الفاسدين”.
إن فوز سيميلا في الانتخابات الرئاسية، والذي لم يتوقعه أحد وأثار قلقاً كبيراً لمجتمع الأعمال والرجعيين الآخرين، جعل من حزب برناردو أريفالو القوة الثالثة في الكونغرس (البرلمان الغواتيمالي)، في برلمان أمريكا الوسطى، المنتدى الإقليمي للتكامل، الذي يضمّ دول أمريكا الوسطى ويقع مقرها الرئيسي في مدينة غواتيمالا، العاصمة، حيث تحتلّ أيضاً المركز الثالث.