عالم جورج سالم
البعث الأسبوعية- فيصل خرتش
أصدرت وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية الأعمال الكاملة للأديب الراحل “جورج سالم ” ، فقد ولد جورج سالم في مدينة حلب ، عام 1933 ، ودرس في ثانوية المأمون ، وكان متفوقاً ويتقن الفرنسية بسهولة ، ويناقش بها ، ثم انتقل إلى دمشق ليدرس الأدب العربي ، وهناك تعرف على الفتاة التي ستصبح زوجته ” ليلى صايا سالم ” والتي كانت تدرس الفلسفة ، وتُعد نفسها لتصبح أديبة أيضاً . وتخرج جورج سالم مكرساً جهده للعمل الثقافي والكتابة ، فلم تكن له حياة خاصة ، تخرج عن قراءاته وترجماته وكتاباته ، وتدريسه ، وإشراكه مع المرحوم خليل هنداوي في إدارة فرع حلب لاتحاد الكتاب العرب ، اعتباراً من 1970 ، هذه الحياة تؤلف كلاً يغذي قصصه وهو حاضر في خلفيتها . حياته الأدبية كانت قصيرة ، برهن خلالها عن نشاط أدبي وفكري قلما نجد له مثيلاً عند الأدباء ، فله ثلاث دراسات أدبية ، هي : على هامش الأدب العربي ، نشر عام 1965 ، ودراسات في الأدب نشر عام 1970 ، وأخيراً المغامرة الرواية نشر عام 1973 ، ونضيف إليها ستة أعمال أدبية هي : في المنفى عام 1962 ، فقراء الناس ( بدون تاريخ ) ، الرحيل 1970 ، حوار الصم 1973 ، حكاية الظمأ القديم 1976 ، عزف منفرد على الكمان 1976 ، وهناك قصتان يبدو أنه سيضيفهما إلى مجموعة سابقة ، وهما آخر ما كتب، ونشرتا بعد وفاته. جورج سالم حاضر بكليته في كل ما يكتب أو يلخص أو يقرأ .
يبدو أن جورج سالم بدأ الكتابة بتركيز انتباهه على الشريحة الأضعف بين شرائح المجتمع ، ففي القصة التي أعطت اسمها للمجموعة ” فقراء الناس ” يسأل الولد أمه : ” نحن فقراء يا أمي ” فتجيبه الأم : ” فقراء جداً ” وتجهش بالبكاء .
ربمّا جورج سالم عندما وضع مجموعة ” فقراء الناس ” بعد رواية ” في المنفى ” كان يصفي حساباته مع المنهج الواقعي الذي درس نماذجه لدى أوائل القصاصين العرب ، والذي يعنينا من دراسات جورج المتقنة هي أنها على طرفي نقيض من روايته وقصصه ، بحيث ننتقل من القصص إلى الدراسات وكأننا ننتقل من عالم إلى آخر لا علاقة لأحدهما بالآخر ، فتعتبر الدراسات شقّ أفق جديد للمثقف العربي من أجل مضاعفة معلوماته ودفعه إلى التفكير في المصير الإنساني ، ويجب ملاحظة أن جورج سالم في كتابه ” المغامرة الروائية ” وزّع الروايات العربية على ثلاث خانات : ما قبل الواقعية – الرواية الواقعية – ودروب جديدة .
فثمة تعارض أساسي بين جورج سالم الروائي والقاص وجورج سالم المدرّس والقارئ لبعض أمهات الرواية والقصة والدراسة أو لتاريخ الأدب. إن رواية جورج سالم هي يقظة الحرية إلى ذاته، ولكن الثمن باهظاً، إنّ الحب والموت كلاهما لا يقال إلا برموز وحكايات رمزية، ذلكم هو لغز الوجود الإنساني الذي يلخصه ارتباط الحبّ بالموت : الحب الذي يعطي والموت الذي يأخذ . فعند جورج سالم الحب يستدعي الموت، هذه العلاقة تصير لغزية عندما ننقلها إلى المجال الروحي لأنها تشكل حداً لا يستطيع الإنسان أن يتجاوزه ، وهذا الحدّ هو ما حاول جورج سالم التعبير عنه في المجموعات القصصية الأربعة التي نشرها في السبعينات من القرن الماضي، فالرحيل هو الرحيل إلى العالم الآخر، فاستضعفه اليساريون واعتبروه انهزامياً ويعبر عن برجوازية منهارة ، وباعتبار أنه شديد الحساسية ، كان يعتبر كل نقد بمثابة طعنة تسدّد إلى قلبه، لكنّه ظل يكتب محافظاً على فلسفته في الحياة، ويختلف جذرياً عن عالم أي أديب أخر، ونقطة ارتكازه هي العلاقة الشائكة بين الحب والموت ، والمحبة هي الثورة على الظلم كي يتحقق ملكوت الإنسان، أما الموت فهو نهاية حتمية للحياة، والحب بداية ونهاية في الوجود، والموت حدث عارض يؤذي ويخرّب ولكنه عاجز عن المسّ حميمياً بالحب .
إنّ تجربة ” الوجد ” الصوفية، حيث ” الحب ” ، و ” الفرح ” اسمان لمسمّى واحد، والوجد كثيراً ما ينتهي بالموت ، تلك تجربة كبار المتصوفة. وقد تعرّف جورج سالم على لويس ماسينيون في زيارته إلى دمشق عام 1955 واستمع إلى محاضرة عن استشهاد الحلاج، وأخذ بعض المراجع عن المتصوفة، ويمكن تلخيص تجربة المتصوفة بأنها صراع الموت مع الحبّ، وهي التجربة ذاتها التي عاشها جورج سالم مع ذاته والتي أدت به إلى الموت المبكر، ليرسم لنا عالماً قصصياً وروائياً يؤدي غالباً إلى الموت .
في الكتاب ستة أعمال قصصية ورواية واحدة، وقصتان، هذا الكتاب تمّ طبعه بوزارة الثقافة السورية وذلك بعد رحيل جورج سالم بأربع وثلاثين عاماً .
- عالم جورج سالم
- وزارة الثقافة – الهيئة العامّة السورية للكتاب ، دمشق 2010
- عدد الصفحات : 668 صفحة ؛ القطع : 24 سم