قراءة في مجموعة “وهج الرؤى” للشاعرة نجوى رحمون
صدر للشاعرة نجوى رحمون مجموعة شعرية جديدة بعنوان “وهج الرؤى” عن دار بعل للطباعة والنشر، وكان صدر لها /بوح النجوى/ ليليت الليلك/ أضواء الروح سيرة ذاتية /حبري/ قصص ومقالات، وهذه المجموعة تحمل بين طياتها /٤٣/ قصيدة جميعها من الشعر العمودي، تنوعت بين الوجداني والوطني والإنساني والغزلي. وقد استوقفني العنوان “وهج الرؤى”، وهو الرغبة في استثارة الجماليات والرؤى النصية التي تعطي القصيدة طابعاً جمالياً وعمقاً، فالعنوان يأخذك لعالم ينساب مع الروح، ونجد أن هناك نزعة فلسفية توازي ذلك الحسّ الصوفي الذي يتوافر داخل القصائد ليجسم لحظات بعينها من خلال مفرداتها الخاصة الممتزجة بالنزعة الفلسفية الوجودية والإنسانية، فالقصيدة تعمد إلى بساطة العبارة ووضوحها والتماس الشعر في المعنى الكلي المنبثق من حالة تأكيد أو إعلائها بالصور البلاغية وتداخل المشاعر في المعاني، هنا تعلو حالة من الوجد والتوق وهو اختيار جميل يتناسب مع الحالة ودرجة العمق والانزياح نحو الخيال الذي أخذتنا إليه الشاعرة لتقول في قصيدة بعنوان /ياقارئي/:
وهج الرؤى رحبت بأجمل أدمعي يا قارئي ردد أغانيها معي
يا فكر دعني أهتدي لحقيقة تجلو هنائي في خضم توجعي
هذي القصائد بوح نجوى فكرتي دونتها بين السطور وأضلعي
لا شكّ فيه أن الفعل الجمالي الإبداعي ينطلق أساساً من ذلك التوهج والاشتعال الذي يثيره السؤال أو مجموعة من الأسئلة التي تعتمل في ذهن الشاعرة التي تعيش وإياها حالة من الصراع الدائم بحثاً عن الإجابة، فالقصيدة تشريح كلي لواقع ممتدة فيه فلسفة الألم بأزمنة الفوضى الضائعة، وتلك الدوامة التي تحيط بالذات والمشاعر القلقة بتركيب تصويري وانتقاء مناسب للألفاظ التي واءمت الحالة الوجدانية التي تعيشها الشاعرة لتقول في قصيدة بعنوان /دع الدنيا/:
هي الأفراح فاترك مالديا وساند بالدوا مرضي الشقيا
دع الدنيا فلا تعتب عليها وإذا نامت جفونك يا غبيا
وإن رامت لروحك أو روحي فما كملت لديك ولا ولديا
تصبر عن لظى الدنيا بدنيا من الأشعار تجلو الميت حيا
هنا نجد الحكمة وهي نداء وتداعيات بمفاهيم وبتقابلات رؤية عالية، فالشعر ثورة الكلمة ولغة القافية التي لا تفتأ تصرخ ملء الشاعرية والشعرية وترسم ملامح الوجود والموجود وتترجم الخير والشر في الإنسان وتكشف أعماق ذاتية الشاعرة التي تخلق من أبجدية مشاعرها وآلامها وآمالها وطموحاتها مادة هلامية تشكل منها صوراً تخييلية تلونها بأساليبها البلاغية والمجازية فكلّ قصيدة وكل مشهد تحكي عن جانب من جوانب الواقع، فاستهلت الشاعرة قصيدتها بضمير المتكلم لتلفّ هذه الأنا حبال الرؤية والرؤى حول أعناق الكلمات وفي قصيدة بعنوان /بوح/ تقول الشاعرة:
كم تعالت بي هموم في المسار وصفا دمعي على جفن الستار
وسمت عند الندى روح الجوى وغدا الطيون إنبات البوار
وتهادت في رحابي أعين وهمى في مقلتي غمز وثار
هنا نجد الصور البيانية والعاطفية تتجه باتجاه الانزياحات الدلالية المعنوية مما يحيط النص بفضاءات عاطفية وفلسفية تنسجم مع أرواح المعاني من حيث القلق والاضطراب واستخدام مفاتيح قراءة النص كبنية فنية مدروسة ومتقنة وكمحتوى معنوي متكامل واضح الرؤيا ومتسق الأفكار ولغة متحررة تلامس برهافة مشاعرنا، حيث تتحدّد في النص مواقع الكلام في صور تخيلية بين الإرسال والاستقبال، هذا الدفق الموسيقي مليء بالانفعال العاطفي عبر صور شعرية هادئة وفي قصيدة بعنوان /العيد عندك يا دمشق/ تقول الشاعرة:
العيد حدد في حماك وهللا ومضى إليك يزف أخبار العلا
نادى بعزك يا دمشق مهنئاً بسلام غوطتك الأمان تأصلا
لاقى على عطر الورود صباحه فجر تجلل بالصباح مكملا
الحرب وعدك وانتصارك قادم والحق أبلج دمت فيه الموئلا
هنا تغنّت الشاعرة بدمشق وحلقت حروفها مع حبها للوطن والتغني بجماله وبحماة الديار، فالنصر آتٍ والراية معطرة بياسمين النصر والغار.
ومن خلال قراءتي المجموعة الشعرية “وهج الرؤى” للشاعرة نجوى رحمون وجدت أن الشاعرة لديها لغة جديدة تبني نفسها وتبتكر لنفسها وسائل تعبيرية تتنوع حسب معناها الخاص المتشعبة بالنضوج والحسّ الإنساني والفكر العميق ومزجهما بالوجدان الصادق الذي يعكس داخله إلى خارجه، فنرى طاقة شعرية قادرة على إزاحة مستويات التعبير إلى عمق دلالي، ومع ذلك تعمل عناصره على تشكيل مشهد شعري متعدّد الجوانب، فالشاعرة مهتمة برسم صور حية ونابضة للذات التي تبقي في مواجهة مستمرة مع الفعل الإنساني الأجمل هذا وتتوارى الصورة المجازية القائمة على إيجاد علامة ليست موجودة في الأصل عند الموازي الواقعي التي فاجأتنا بالتناغم الداخلي والعلاقات الجدلية الممنطقة، حيث تحيل الشاعرة ما هو منتسب أصلاً إلى العقل إلى محض عاطفة، فهي تهب الذاكرة للقلب ليس من خلال علاقة مجازية ترتفع به الشاعرة إلى كيان خفي قدسي وهذا ما نجده في قصيدة /وهج الرؤى/ لتقول الشاعرة:
إيه يا ست النساء كم قلت شعراً أنك الكون في مداه الطليق
فإذا الكون راح يفخر يوماً من له غير رمزك المرموق
ربما أنت ضلع آدم لكن أنت في قلبه نوار الطريق
لقد برعت الشاعرة باستخدام الإبهار والتشويق من خلال نسجها للقصيدة خيطاّ خيطاً من البداية حتى النهاية، فهذا التكثيف وظفته بإتقان ولغة شفافة ودفقات موسيقية لتبرز غنائية السطر الشعري بالعمق والرسائل المشفرة المسكوبة بدلالات عديدة، مما أضفى على جماليات الوصف وتنوع البحور الشعرية، مجموعة تستحق القراءة لأن وهج حروفها أخذنا إلى عالم الدهشة.
هويدا محمد مصطفى