العنف في السينما أمر طبيعي بعد أن كان استثناء
كان من الصعب بالنسبة للمشاركين في ندوة “العنف في السينما” التي عُقدت مؤخراً في المركز الثقافي العربي – أبو رمانة – بإدارة مدير المركز عمار بقلة ومشاركة جورج بشارة مدير دار الفنون بدمشق والمخرج السينمائي هشام فرعون تقديم إجابة واضحة عن سؤال: “هل انتقل العنف من الواقع إلى السينما أم العكس؟”، إلا أن ما هو مؤكد بالنسبة لهشام فرعون أن ظاهرة العنف في السينما ازدادت بصورة غير طبيعية في السنوات الأخيرة، وباتت مشاهدُ القتل والذبح والاغتصاب لا يخلو منها فيلم، في الوقت الذي بات فيه الواقع في جميع أنحاء العالم يعاني من هذه الظاهرة بشكل أصبح فيه العقل لا يستطيع تصورها، ومع هذا فإن كثيرين يوجّهون أصابع الاتهام إلى السينما وما تقدمه من أفلام في ازدياد هذه الظاهرة، في حين أن البعض يرفض هذا الكلام لقناعته أن السينما تعكس ما في الواقع ولا تخترعه.
ورأى فرعون أن السينما ليست السبب الوحيد لانتشار العنف، فهي مؤثرة ومتأثرة في آن معاً، منوهاً بأنه وبعد الحرب العالمية الثانية انتشر الفقر والجهل مما أدى إلى نشوب صراعات مجتمعية وعنف على لقمة العيش، فطوّرت السينما هذه النزعة من العنف وصنعت أفلاماً مليئة بالدموية كسلسلة أفلام رامبو الشهيرة بطولة سيلفستر ستالون التي صوّرت معاناة الجندي الأميركي في حرب فيتنام، فأظهرت العنف بأبشع صوره وبشكل يظهر البطولة ويثير التعاطف، فتمنى المراهقون أن يكونوا في صلابة رامبو وشجاعته وإقدامه، وبهذه الطريقة الملتوية في تصوير العنف أصبحت السينما مؤثرة ومتأثرة برأيه حين تأثر الكاتب بقصص الجنود في الحرب وكيفية هروبهم من الأسر وطريقة استقبالهم في أوطانهم، وهكذا أصبح الفيلم متأثراً بالعنف الذي تمّ نقله بشكل مبالغ فيه، فأصبح مؤثراً، في حين قدمت أفلام سلسلة The purge العنف لمجرد العنف من خلال قصة خيالية تتحدث عن يوم التطهير، فكانت السينما مؤثرة.
وأشار فرعون إلى مجموعة تجارب أجريت في مصر لرصد أثر السينما في تعليم العنف، ومنها تجربة أجريت على الأطفال تمّ فيها رصد تأثيره عليهم وأكدت التأثير الكبير على سلوكهم العدواني، خاصة وأن الأطفال في فترة نموهم يلجؤون إلى التقليد والمحاكاة، وهي طريقة عامة لاكتساب السلوك، مؤكداً أن تكرار مَشاهد العنف والقتل في السينما يؤدي إلى تبلد المشاعر واعتيادها وعدم الانزعاج من مشاهدتها في الواقع، لكنها بقناعة فرعون لا تؤدي إلى تنفيذها دون أسباب مباشرة، وخاصة في ظروف القاتل، أما من يعمل في السينما فغالباً ما يكون لديه وجهة نظر برأيه تجعله لا يقيم وزناً للعديد من الاعتبارات، مذكّراً بما قاله المخرج الشهير كوينتن تارنتينو رداً على منتقدي العنف في أفلامه: “أنا لا أعتذر عن العنف في أفلامي.. أنا أحب العنف في الأفلام، لكني أمقته في الواقع.. يمكنك وصف أفلامي بأنها متعطشة للدماء، ولكن أعتقد أن الأمر لا يتعلق بالعنف بقدر تعلقه بمبدأ شهير في الروايات المصورة وهو أن أي شيء يمكن أن يحدث لشخصياتي، وهذا هو عالمي الخاص”، وهذا يعني برأي فرعون أن بعض الكتّاب والمنتجين يدافعون عن فكرة العنف في السينما، مع أن هناك حلولاً بديلة، والدليل أن الأفلام التي قُدمت قبل الحرب العالمية الثانية كانت تحترم الإنسان وسلوكياته، وكان يتمّ الإشارة إلى العنف من قتل واغتصاب بالرمز فقط. وخلص فرعون إلى أن العنف ظاهرة متأصلة في النفس البشرية، والخطورة ليست في العنف إنما في سلوكياته، وقد أصبح أمراً شائعاً للغاية، بحيث أصبح أمراً طبيعياً بدلاً من كونه استثناء.
موجود منذ الأزل
وكان جورج بشارة أشار في بداية الندوة إلى أن العنف هو كلّ ظاهرة اجتماعية فيها قسوة على الفرد وتجاوز لحقّ من حقوقه، وأن أسباباً اقتصادية واجتماعية ساهمت في انتشاره بشكل كبير في المجتمع، وبكل أنواعه: الإيذاء البدني والنفسي والعاطفي والجنسي، مشيراً إلى تأثير العنف على الفرد والمجتمع في تهديد القيم الإنسانية وسلب الحقوق، ورأى أن العنف موجود منذ الأزل، ولكن ما هو مطلوب اليوم التخفيف منه، وهذا لا يتحقق إلا بالوعي وتكريس القيم الروحية وتنظيم التشريعات الرادعة وتعزيز الدور الإعلامي والأعمال الدرامية لمحاربة هذه الظاهرة، مع إشارته إلى أن الدراما أحياناً لا تكون عاملاً للحدّ من العنف بل عاملاً يشجع عليه، داعياً إلى الحدّ منه من خلال تحقيق العدل والمساواة في الأسرة والمجتمع والبحث عن حلول للمشكلات الاجتماعية وتفريغ الطاقات السلبية لدى الأشخاص عبر ممارسة الرياضة وتعزيز قيم العمل الجماعي والتعاون بين الناس، إضافة إلى تحقيق العدالة والمساواة لدى أفراد الأسرة، وعدم التمييز بين الأولاد حتى لا يصبح الشعور بالاضطهاد سائداً داخل الشخص العنيف، مع تأكيده بأنه لا يمكن الابتعاد عن مشاهد العنف، ولكن من الضروري عدم تبريره.
أمينة عباس