تسخين الحدود السورية العراقية جزء من الحرب الأوكرانية والصراع الأمريكي مع محور المقاومة
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
في خضم تدفق الآلاف من القوات الأميركية إلى غرب آسيا، يرى مراقبون أن سورية أصبحت مرة أخرى في قلب معركة متعددة الأوجه، ففي تطور خطير الشهر الماضي، دخلت قوافل عسكرية أمريكية إلى العراق عبر معبر عرعر الحدودي مع السعودية، وأظهر هذا العرض لتحركات القوات الأجنبية أن جزءاً من القافلة توجه إلى قاعدة عين الأسد غربي العراق، بينما اتجه الجزء المتبقي نحو قاعدة الاحتلال الأمريكي في التنف على الحدود السورية الأردنية العراقية.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد كشفت في تموز الماضي، عن خطتها لنشر نحو 2500 جندي من الفرقة الجبلية العاشرة المتمركزة في قاعدة فورت دروم العسكرية، زاعمةً أن مهمة عملية “العزم الصلب”، وهو الاسم الرمزي للحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، هي لدحر “داعش” في سورية والعراق.
وحيث أنه كان من المفترض مغادرة القوات الأمريكية العراق منذ العام الماضي، بذلت وسائل الإعلام المناصرة والمعلقون السياسيون المؤيدون للولايات المتحدة، جهوداً حثيثة لإقناع الرأي العام العراقي، بأن تحركات القوات الجديدة هذه تشير إلى تطور إيجابي في سياسات واشنطن تجاه بغداد.
الأهمية الإستراتيجية لسورية
اليوم، أصبحت سورية النقطة المحورية للصراع في غرب أسيا، إذ يُعتبر موقعها الاستراتيجي بمثابة بوابة متوسطية محورية للوجود الروسي، وهي حجر الزاوية العربي لمحور المقاومة الذي يمتد من إيران إلى لبنان وفلسطين.
ومن الناحية الجيوسياسية، تستمد سورية أهميتها من موقعها الحيوي على مفترق طرق ثلاث قارات، واشتراكها في الحدود مع خمس دول وهي تركيا 822 كم، العراق 605 كم، الأردن 375 كم، لبنان 370 كم، وفلسطين 76 كم. فضلاً عن تمتع الساحل السوري على طول البحر الأبيض المتوسط، والذي يمتد لمسافة 192 كيلومتراً، بنفوذ استراتيجي هائل في مجال الأمن والسياسة والاقتصاد العالمي.
لهذه الأسباب متعددة الأوجه، ظلت واشنطن منخرطة بشكل كامل في الملف السوري باعتباره ساحة مهمة يمكن من خلالها الحد من النفوذ الروسي والإيراني في جميع أنحاء المنطقة، وعلى هذا النحو، لعبت سيناريوهات قلب “أنظمة الحكم” دوراً كبيراً في سياسة الولايات المتحدة في غرب آسيا.
وفي عام 2011، اندلعت المواجهة مع المجموعات الإرهابية المسلحة، الوهابية والإخوانية، المدفوعة بضجيج ما يسمى بـ “الربيع العربي”. وسرعان ما ظهرت مجموعة كبيرة من الفصائل الإرهابية، بما في ذلك ما يسمى “الجيش الحر، وجبهة النصرة، وتنظيم داعش، وقوات قسد”، ومختلف الجماعات الإرهابية الأخرى مدعومة من دول أجنبية مختلفة.
وبحلول عام 2012، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة وتركيا وقطر و”إسرائيل” هي أبرز الدول المشاركة في دعم الميليشيات الإرهابية في سورية. وفي استعراض مباشر للدعم، ألقت واشنطن بثقلها لدعم مليشيا “قسد”، حيث قدمت التدريب والأسلحة لمساعدتها على إقامة منطقة حكم ذاتي في شرق سورية، بعد إفراغها من الكثير من سكانها العرب.
لم تكن هذه الخطط التآمرية خفية على روسيا وإيران، اللتان دخلتا المعركة بناء على طلب من الحكومة السورية، وقدمتا المساعدة للجيش العربي السوري.
خلال معظم فترات هذه الحرب، غضت القوى الغربية الطرف عن الأنشطة المتزايدة للإرهابيين على طول الحدود السورية العراقية، وبحلول عام 2014، تمكن تنظيم “داعش” من السيطرة على الموصل وثلاث محافظات عراقية.
كما وقعت الحدود العراقية السورية الممتدة على مسافة 605 كيلومتر تحت سيطرة تنظيم “داعش”، ولكن في خطوة مضادة غير متوقعة، شنت القوات العراقية حملات لاستعادة الأراضي من قبضة “داعش”، وبعد معارك شاقة استمرت 1200 يوم، تمكنت القوات العراقية من تحقيق النصر، وتحرير الحدود العراقية من قبضة التنظيم.
الخلافات على الحدود
على الجانب السوري من الحدود، نجح الجيش العربي السوري، بمساعدة روسيا وحلفاء آخرين، في استعادة مساحة واسعة من الأراضي من الميليشيات الإرهابية المسلحة، ولم يتبق سوى جيوب للميليشيات في شرق سورية، لا سيما في مدينة إدلب حيث تسيطر ما يسمى “هيئة تحرير الشام”.
كان الوجود المكثف للقوات العراقية على الحدود السورية مع العراق يثير بشكل خاص قلق الولايات المتحدة، وللسيطرة على تلك الحدود شن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عمليات لا تعد ولا تحصى ضد القوات العراقية على طول الحدود العراقية. وتزعم واشنطن إنها تقوم بتلك العمليات في إطار “الدفاع عن النفس”، لمنع الهجمات ضد القوات الأمريكية المتمركزة في قواعد مثل قاعدة التنف وعين الأسد في العراق، وهو موقف بطبيعة الحال لا يدعمه القانون الدولي، فالقوات الأمريكية التي تحتل بشكل غير قانوني دولة ذات سيادة لا يمكنها أن تدعي الدفاع عن النفس.
ومع ذلك، فقد أجبرت هذه الديناميكيات الولايات المتحدة على إعطاء الأولوية للحدود العراقية ضمن إستراتيجيتها الأوسع في سورية، وبحسب خبير استراتيجي فإن: “هذه الحدود ليست جزءاً من لعبة الحرب على سورية فحسب، بل أصبحت جزءاً من الحرب الأوكرانية وصراع واشنطن مع كل من موسكو وطهران”.
واليوم، تسيطر القوات العراقية بحزم على معبر القائم الحدودي، وعندما تشعر الولايات المتحدة بالحاجة إلى تقويض تلك السيطرة، فإنها تدعي بأن القوات العراقية والقوات الرديفة تشن هجمات ضد القواعد والقوات الأمريكية وذلك لتبرير الهجوم الأمريكي الانتقامي المميت على مواقع القوات العراقية.
وفي الصدد، قال كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فلاديمير فاسيليف: “الولايات المتحدة تلعب دائماً على طاولات متعددة، مضيفاً أن التوجه الرئيسي الآن هو ضربة لروسيا على الجبهة بأيدي الأوكرانيين، وإذا تفاقم الفشل على هذا الجناح من سياستهم الخارجية ستسحب الخطة “ب” من درج الطاولة، وهي الخطة التي تتعلق بسورية”. مضيفاً: “ربما قررت واشنطن تفعيل القضية السورية، تصعيد الوضع في سورية، وإشراك القوات المسلحة الروسية فيه. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج إدارة بايدن إلى قرارات جيوسياسية مظفرة قبل الانتخابات، فسورية مشروع طويل الأمد للإدارات الأمريكية، شارك فيه باراك أوباما، لقد ورث الديمقراطيون هذا المشروع، وهم الآن يعودون إليه”.
وفي 23 تموز 2023، كشفت حالة اقتراب خطيرة لطائرة مسيرة أمريكية من المقاتلة الروسية التي تجنبت بصعوبة الاصطدام بها، عن تصاعد في التوترات الخفية والملموسة بين القوات الأمريكية والروسية في سورية.
وللإشارة، تتكون خطة واشنطن في سورية من أكثر من محور، من بينها التضييق على محور المقاومة في المنطقة ومحاولة الضغط على موسكو لجلب المزيد من القوات إلى سورية لتخفيف الضغط على أوكرانيا.