“مع الأيام”.. نسمة ندية بـ “عز الصيف”
سلوى عباس
بصوتها العذب الرقيق الوادع الذي يتدفق غديراً من الوداد، جليل الوقع غامر الدفء، تغمرنا المتألقة والمتجددة بالإبداع هيام حموي بموسيقا ابتسامتها، وفي كل إطلالة لها تفسح في قلوبنا حيزاً لانبثاق وردة، وها هي تولع فينا شوقنا ولذّة الانتظار، حيث تطل علينا عبر أثير إذاعة شام إف إم بروح طفلة وحكمة خبير تحكمها تجربة إذاعية عامرة بالعطاء المتميز امتدت لأكثر من نصف قرن عبر برنامجها “مع الأيام” بتوقيع المايسترو المتميز حسام العاتكي لنعيش عبر ساعة من الزمن في عالمها الملون بزركشات الحياة بكل أشكالها، فتبدو كما حورية تقشر الضوء عن النجوم، تدخل إلى قلب مستمعيها من بوابة الغبطة، فتنهمر أفكارها كما المطر وتقطف لنا من بساتين الزمن عناقيد المعرفة، تهديها للحياة بكل ما فيها من تعب وفرح وألم وأمل وحب، وتدعونا لنستمع إلى بوحها عن زمن مضى تستحضره بكل بهائه وجماله،nوحاضر مثقل بالوجع تحاول عبر حكاياتها وخبرياتها أن تخفف بعض هذه الأوجاع وتضفي عليه مسحة من الفرح، فهي إنسانة تبحث عن الحب والجمال، وتسعى إلى ترسيخ هذه القيم في كل عمل تشتغل عليه،لذلك كثيراً ما تعرف عن نفسها أنها: “روح هائمة منذ ألف عام تبحث عن الحب والخير والجمال، ولهذا السبب قد يكون أهلي بحدسهم أسموني هيام”.
“مع الأيام” يشبه نسمة ندية تلفح قلوبنا في “عز الصيفي” وترش نداها على أرواحنا، حيث تدعونا هيام لنرفع صوتنا بالغنا “لأن الأغاني لسا ممكنة” وأن الزمن الجميل لم ينته بعد، وفي تعريفها للبرنامج تقول: “مع الأيام” كبسولة إذاعية أسبوعية مكثفة مزودة بعدسة تطل من منظار الميكروفون على حكايات الأيام ولكل يوم أكثر من حكاية بين الماضي والحاضر والآتي، الآتي فجراً ونهاراً فكم نأمل أن يكون مشرقاً وساطعاً.. والأيام بيننا.
ولأنها تخاف أن يكون الناس قد أخذتهم الحياة من أنفسهم وأرواحهم عبر لهاثهم المتسارع للإمساك بلحظة هاربة من عمرهم وبالتالي لم يعد يعنيهم الاستماع للراديو أو حتى إلى أي كلمة خارج نطاق حاجياتهم اليومية، وهؤلاء أصبحوا يشكلون الغالبية العظمى من الناس الذين يعيشون على خط الفقر، وبالمقابل هناك طبقة من الناس تنعم بالثراء المفرط، وبناء على هذا فإن من تتوجه إليهم بـ “مع الأيام” هم هؤلاء الناس الذين يعيشون بين هاتين الطبقتين الذين ينتمون إلى تلك الفئة المثابرة الدؤوبة من أبناء الطبقة الوسطى التي تبحث عن أي بصيص نور مهما كان الظلام دامساً، لهؤلاء تتوجه هي وحسام بحكاياتهم وأغنياتهم مع الأيام.
تعيدنا هيام في برنامج “مع الأيام” إلى أيامها في مونت كارلو وبرامجها التي أسرتنا تفاصيلها، كبرنامج “بنك الصداقة” و”دردشة فوق السين” و”يوميات مذيعة” و”الهوى هوايا” وبرامج أخرى لا يتسع المجال لذكرها كلها، وصولاً إلى كل البرامج التي قدمتها ولازالت في “شام إف إم”، وبعد كل هذه التجربة الشغوفة والمتميزة لازالت هيام مع كل برنامج تقدمه تبحث في عيون الناس إذا كانت قد نالت رضاهم ولامست وجدانهم،مما يدل على احترامها لعملها وللمؤسسة التي تعمل فيها، واحترامها أيضاً للناس الذين أعطوها ثقتهم على مر السنين، وهذا يحملها مسؤولية أن تقدم لهم الأفضل دائماً.
ومع هذه التجربة المهنية المديدة يبقى السؤال ملحّاً ماذا فعلت هيام لتظل مستمرة بذات الألق والتوهج خاصة وأن الإنسان بعد مضي مرحلة من عمله قد يمر بفترات من الفتور والملل، بينما في تجربتها نرى كل محطة تسند المحطة الأخرى أو تكملها لتأتي الإجابة بأن أحلامها لم تنته ولديها الكثير من الأفكار لتقدمها، وقصص ترغب بإيصالها، لأن رغبتها بمشاركة المستمعين لها متعة وفائدة عمل تقوم به يحمل القيم التي تحبها، فالإذاعة، التي أحبتها هيام حد الوله، مازالت حتى هذه اللحظة تمثل بالنسبة لها لغة التعبير التي تعرف من خلالها كيف توصل أفكارها للناس، وتلفت نظرهم إلى وجود أشياء كثيرة جميلة وممتعة، لأنها ترى أنه رغم كل هذا المد الملوث بالبشاعة والقبح مازال هناك أغان جميلة تستحق أن يسلط عليها الضوء وكأنها تقول للناس: لا تيأسوا، لأن الغيمة السوداء لم تأكل كل شيء وهناك الكثير من البياض الذي يحمل طوق النجاة لنا جميعاً.