“صنع في سورية”!
حسن النابلسي
يؤكد العارفون بعلم النفس أن ذوي عقد النقص يعوضونها بإدعائهم امتلاكهم لنقيضها، فالفقير يدعي الغنى.. وعديم العلم يدعي المعرفة مثلما يدعي الجاهَ من لا جاه له.. وكُلّ حسب موقعه، بغرض إثبات وجوده وكيانه بين الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبمستويات مختلفة.
على الصعيد الاقتصادي، يلجأ ضعاف النفوس أو أصحاب عقد النقص الاقتصادي – إن صح التعبير – من المنتجين المحليين، بوضع لصاقة “صنع في الصين”، أو في أي بلد أجنبي، على منتجاتهم ظناً منهم الحصول على ثقة المستهلك المغرم بالمستورَد للإقبال على هذه المنتجات مزيفة المنشأ، وبالتالي تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، جاهلين أو متجاهلين أن المستهلك بصورة عامة لم يعد ساذجا في ظل ثورة الانفتاح الإعلامي والمعلوماتي وأصبح من السهولة بالنسبة له كشف زيف وألاعيب من يسوقون لاقتصاديات أجنبية على حساب الاقتصاد الوطني. دون أن يعوا أنهم بتصرفهم هذا يسيئون إلى المنتج المحلي، ولصاقاتهم المزورة هي شهادة تؤكد أن “منتجهم” مترهل وغير جدير بثقة المستهلك المحلي، فما بال المستهلك الأجنبي؟
ألا يجدر بأولئك أن يكونوا أكثر حنكة وصدقا ووفاء لاقتصادهم الوطني بالدرجة الأولى ولأنفسهم ومستهلكيهم بالدرجة الثانية، من خلال الاهتمام بمنتجاتهم والارتقاء بها لتصبح بالفعل منافس حقيقي لنظيراتها الأجنبية وتستحوذ على ثقة ليس المستهلك المحلي فحسب بل العربي والأجنبي.
ربما يحمل البعض الورشات العاملة في الظل هذه التصرفات غير المسؤولة، والبعض الآخر قد يرجعها إلى بعض الممارسات الفردية غير الآبهة بمستقبل الاقتصاد الوطني، وللإنصاف نقول: إن هذا الكلام واردٌ جداً، لكن ألا تتحمل الجهات المعنية خاصة وزارات الصناعة والاقتصاد مسؤولية انتشار هذه الظاهرة الخطيرة القابلة للتطور، والتي تهدد بالقضاء – أو على أقل تقدير الحد من – انتشار عبارة (صنع في سورية) التي ربما أصبحت بنظر البعض تهمة أمام الغير، دون أن يدرك هؤلاء أن فعلتهم هذه هي وصمة عار حقيقية.
لا ننكر أن المنتج السوري بشكل عام لا يضاهي نظيره الأجنبي – علماً أن كثيراً من منتجاتنا معروفة عالميا، كالحلويات مثلاً – ولكن التنصل من هويته سيودي بهذا المنتج نهائيا من خارطة الإنتاج العالمية، والحل الأمثل لتعزيز (صنع في سورية) يكمن بنقشها بصخرة العالمية عبر توالي ضربات الإنتاج، بيد لا تكل ولا تمل.
hasanla@yahoo.com