رأيصحيفة البعث

لعبة الوهم

علي اليوسف    

 

بالأمس القريب أدانت سورية البيانين الفرنسي والأمريكي الصادرين عن وزارة الخارجية الفرنسية والمتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، اللذين تضمنا جملة اتهامات باطلة حول استخدام أسلحة كيميائية في عام 2013 وحوادث مفبركة ومزورة أخرى، لكن لماذا إعادة هذا الطرح من جديد وفي هذا التوقيت؟
ليس من المستغرب أن تعيد الدولتان الأسطوانة القديمة، ففي علم النفس تعتبر العودة إلى الماضي من سمات اليائسين، وعليه فإن “نبش” الماضي يعني بلا شك أنه نتيجة فراغ واقع في الوقت الحاضر، أو إفلاس بالمعنى السياسي، ولنا في ذلك أكثر من مثال، حيث تدلل المعطيات على الأرض أن الرؤية الذاتية للسياسة الفرنسية والأمريكية، المبنية على نوع من الكبرياء والعظمة، أخذت تتلاشى مع تراجع نفوذهما في سورية بفعل سياساتهما الفاشلة, وعدم تعاملهما مع هذه المنطقة انطلاقاً من الخصوصية التي تتمتع بها. هذا الفشل لم يكن كافياً لتصويب أخطاء سياساتهما، بل كان سبباً للالتفاف على الذات والمناورة بإتباع إستراتيجية مع سورية تقوم على لعبة صناعة الوهم. هذه الصناعة تعتمد بالدرجة الأولى على الإيهام بأن الشرق الأوسط محكوم بالسياسات الأمريكية وترتيباتها الأمنية, أما المراوغة الفرنسية في المنطقة فهي نوع من تأكيد دورها المحكوم بنزعات صانع القرار ورغباته وانصياعه للسياسات الأمريكية.
لذلك هذين البيانين لا ينفصلان عن لعبة صناعة الوهم في إطار شراكتهما الكاملة بالاعتداءات الإرهابية المباشرة وغير المباشرة على سورية وارتكابهما جرائم بحق الشعب السوري، والتي تندرج أيضاً في إطار ممارسة المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على الدولة السورية لا أخلاقية ولا إنسانية تخالف مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. فالجمهورية الفرنسية اليوم، التي تعيش اضطرابات داخلية وطرد من مستعمراتها الأفريقية، تسعى للبحث عن مكان في سورية وموطئ قدم لها بالتناغم مع السياسة الأمريكية في شرق الفرات، ويبدو أنها من وراء هذا السيناريو تريد تكرار سيناريو غزو العراق 1991 حين كانت القوات الفرنسية في مقدمة القوات الغازية, وذلك من خلال سعيها لتطبيق ومن جانب واحد الشق الفرنسي من اتفاق أردوغان- جوبيه المتعلق بمناطق نفوذ فرنسية في شرق سورية. ولعل زيارة وفد من مركز الأزمات للدراسات التابع للخارجية الفرنسية إلى مناطق ميليشيا “قسد” الانفصالية في تموز الماضي ولقاءاته مع العناصر المسلحة هناك ما هو إلا دليل على ذلك.
وباعتبار أن هذه الخطط مكشوفة، فإن السبيل، حسب الذكاء الفرنسي الأمريكي، هو العودة للأسطوانة القديمة عبر صناعة الوهم الذي ترتكز فيه الإستراتيجية الفرنسية الأمريكية على سياسة التشكيك بتعاون سورية مع الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتقديم صورة غير صحيحة حول تعاونها مع “فريق تقييم الإعلان”، والإغفال المتعمّد للتقدم الذي تم إحرازه لإبقاء هذا الملف مفتوحاً وابتزاز الدولة السورية في إطار لعبة تبادل الأدوار، خاصةً إذا ما استذكرنا المشروع الذي سبق أن وزعته الولايات المتحدة سراً على البعثات المُعتمدة لدى المنظمة في لاهاي، وتقديم هولندا أيضاً مشروع قرار مسيس بامتياز إلى الجمعية العامة تحت عنوان “التعاون بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية”، وهو المشروع الذي يتناول دولة واحدة محددة، هي سورية، ويخصها بـ4 فقرات من أصل 9 فقرات في المشروع ! لكن ماذا كانت النتيجة؟ الجواب ستحسمه منازلات الجزيرة السورية ومعارك ادلب.