أمريكا… الاستثنائية السيئة
عناية ناصر
يظل خطاب مارتن لوثر كينغ “لدي حلم” أحد الأحداث المميزة في الستينيات في الولايات المتحدة، والذي ألقاه عند نصب نكولن التذكاري في 28 آب 1963 أثناء مسيرة واشنطن للحرية، والذي عبر فيه عن رغبته في رؤية مستقبل يتعايش فيه السود والبيض بحرية ومساواة وتجانس. ويعتبر الخطاب أقوى تذكير لـ كينغ بما لم تكن عليه أمريكا، ولكن لا تزال لديها فرصة لتكون مكاناً يعيش جميع الأطفال يوماً ما في أمة لن يحكم عليهم من خلال لون بشرتهم، ولكن من خلال مضمون شخصيتهم.
بعد مرور قرن على نهاية العبودية، لا يزال الزنوج غير أحرار. وبعد مائة عام، لا تزال حياة الزنجي مشلولة للأسف بسبب قيود الفصل العنصري وسلاسل التمييز. وبعد مائة عام، يعيش الزنجي في جزيرة فقيرة منعزلة وسط محيط شاسع من الرخاء المادي.
وبعد مرور ستين عاماً، لم يعد حلم كينغ أقرب إلى الواقع، وفي الحقيقة، ربما تكون أمريكا الآن أبعد عن تحقيق المساواة العرقية مما كانت عليه خلال الستينيات. ويبدو أن معظم السياسيين الكبار لا يهتمون، كما يشعر غالبية الأمريكيين البيض بنفس الشيء، حيث لا يزال يتم الحكم على الأطفال السود، ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة للأطفال من ذوي الأصول الأسبانية والآسيوية، من خلال لون بشرتهم في العديد من الأماكن في جميع أنحاء البلاد.
إن العنصرية، التي يمكن اعتبارها أبشع وصمة عار في تاريخ أمريكا، ما زالت حية وبصحة جيدة، حيث أظهر استطلاع حديث للرأي أجرته صحيفة “يو إس توداي” وجامعة سوفولك، ومقرها بوسطن، ماساتشوستس، أن 79% من الأمريكيين السود يعتبرون العنصرية مشكلة كبيرة في الولايات المتحدة، لكن 17% فقط من الأمريكيين البيض يعتقدون الشيء ذاته. قد لا يكون الفصل العنصري قانونياً، ولكن لا ينبغي إغفال حقيقة أنه لا يزال موجوداً في الولايات المتحدة.
تشير الأبحاث إلى أن البيض يصرون على الخروج من المناطق التي يدخلها السود والآسيويون والإسبان، الأمر الذي يدل على أن عدم الثقة في هؤلاء الأشخاص، إذ من أحد آثار هذا الفصل غير الرسمي أن التفاوت الاقتصادي بين أمريكا البيضاء وأمريكا السوداء لا يزال قائماً، ولا تزال “جزيرة الفقر المنعزلة” هذه تشكل الموطن المجازي لعدد كبير للغاية من الأقليات في أمريكا، حيث يشير الاحتياطي الفيدرالي إلى أن الأمريكيين البيض يمتلكون 80% من الثروة في الولايات المتحدة، وهو بلد يبلغ صافي ثروة الأسرة البيضاء المتوسطة فيه حوالي 1.3 مليون دولار، بينما يبلغ متوسط صافي ثروة الأسرة السوداء حوالي 350 ألف دولار. يظهر هذا التباين بوضوح أن البيض في وضع أفضل لشراء المنازل والسيارات، وإرسال أطفالهم إلى الجامعات، كما أنهم أكثر استعداداً لمواجهة الكوارث الاقتصادية، مثل فقدان الزوج أو الزوجة لوظيفتهما.
من خلال معرفة كل ذلك، كان من الواجب على أمريكا بالتأكيد أن تدرك مقدار العمل الذي يتوجب عليها القيام به من أجل تحويل هذا الحلم إلى حقيقة. ربما قدمت “الإذاعة الوطنية العامة” تذكيراً غير مقصود برد الفعل اللامبالي الذي أبداه الأمريكيون تجاه الذكرى السنوية لخطاب كينغ، حيث جاء في أحد تقاريرها: “قبل ستة عقود، تجمع ما يقدر بنحو 250 ألف شخص عند نصب لنكولن التذكاري من أجل… خطاب مارتن لوثر كينغ جونيور “لدي حلم”… وفي يوم ذكرى الخطاب، تجمع عشرات الآلاف من الأشخاص في نفس المكان ليعلن أن هذا الحلم أصبح في خطر، وأن أمريكا تراجعت إلى الوراء في معركتها ضد الكراهية والتعصب.
كثيراً ما تتباهى أمريكا بـ “استثنائيتها”، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعنصرية والتفاوت الاقتصادي، فلابد من استخدام كلمة مختلفة، هي” أمريكا سيئة ” بشكل استثنائي” بالنسبة للسود. لم يتبنى أحد قضية الدكتور كينغ، ولهذا، لا يُتوقع أن يتغير أي شيء.