ما سرّية المجتمع التكتوني؟
غالية خوجة
كيف نسعى إلى تطوير الإبداع والاختراع والطاقات المستدامة لتكون هذه الثلاثية المتواشجة المركز المحوري لصناعة المستقبل؟.
أن يمضي واقعنا الحياتي بهذه السيرورة، فهذا يعني أنه لا يدعم الحياة كما يجب، ولا يوجّهها إلى البوصلة المتطلبة لتسارع المسارات وتشابكها لتكون ضمن الحداثة اليومية الإيجابية، وتالياً، لتنتقل بصيرورة متغيّرة ومتجدّدة إلى قلب المستقبل لتنبض بالفاعلية والتفاعلية والاستدامة لتنجز المستقبل.
وللناظر ببصيرته المثقفة إلى المشهد المتحرك خلف المشهد الحياتي العام على هذه الكرة الأرضية أن يكتشف أن الطاقات اللازمة والضرورية موجودة، لكنها بحاجة إلى عقول متضافرة لإعادة توزيع هذه الطاقات وتوجيهها ضمن منهجية متناغمة موظفة لتحسين سُبل الحياة من خلال دعمها للطاقات الإنسانية الفردية والجمعية.
ولا بدّ من الاهتمام بأولئك الذين يمتلكون مفاهيم غير تقليدية حداثية وأصيلة لدعمهم، وتأهيل أفراد المجتمع لمرحلة بناء جذرية ضرورية من أجل الخروج من هذا البرزخ الرمادي إلى زمن قادم مشرق.
تتعدّد الطرق، وتتنوع كيفيات الانتقال، لكنها بحاجة إلى جهات تتمتّع بصيرتها التنفيذية بتنظيم إستراتيجية الإجراءات والموارد البشرية والمادية لخدمة الإنسان والمجتمع والوطن.
ومن هذه الإجراءات، أرى أن نبادر بإنشاء صناديق الاستثمار الإبداعي لخدمة العقول المبدعة في كافة المجالات والموهوبة والفاعلة بشكل جماعي، سواء في الآداب أو الفنون والعلوم أو التعليم والمعلوماتية أو الاقتصاد والصناعة والتجارة والطب والهندسة والفلك، من خلال ميزانية مخصّصة لبناء بنية محورية تكون نواة للاقتصاد والاستثمار الإبداعي، لتساهم في تعجيل البناء وأصطلح عليها “بنية تكتونية اجتماعية متحركة” اشتقاقاً من مصطلح علمي يدرس طبقات الأرض ومنها “الطبقة التكتونية”.
ومن الممكن أن يطلق على هذه الاستثمارات الإبداعية مصطلح “صندوق الاقتصاد الإبداعي الوطني”، الذي يستقطب الأموال من كافة الجهات الحكومية والخاصة بنسبة معينة، ومنها وزارة الثقافة، اتحاد الكتّاب العرب، وزارة الاقتصاد، وزارة المالية، غرف التجارة والصناعة، والمؤسسات العامة والخاصة، والبنوك المختلفة، وكافة القطاعات الأخرى، إضافة إلى فرض نسبة ضريبية مقبولة تكون بشكل طابع بريدي مثلاً باسم “طابع الاقتصاد الإبداعي الوطني”، أو “طابع الاستثمار الإبداعي الوطني”، من أجل العمل على العقول الموهوبة الموجبة المنتجة بكيفية تفاعلية جماعية تبني حداثة الحياة، فلا تظل مشتّتة، متفرقة، فردية، محتاجة، يائسة، بل تجد فرصتها في توظيف طاقتها المناسبة في العمل ضمن مختلف الجهات، وهذا ما تدرسه اللجان المختصة لتوظيف هذه الطاقات في المكان المناسب ضمن رؤى إستراتيجية هدفها النمو التصاعدي المستدام الهادف إلى التطور المتناسب طرداً في كافة المجالات الثقافية والعلمية والاقتصادية والصناعية والتجارية والاجتماعية والتعليمية والمعرفية والتقانية. ولعلها مبادرة تشكّل انطلاقة حيوية وقاعدة بيانات ديناميكية لصناعة الإبداع والاستثمار الإبداعي ثقافياً ومعرفياً وعلمياً ومعلوماتياً وتعليمياً وصناعياً وتجارياً ومجتمعياً، مما يعود بالفائدة على كافة الأفراد نفسياً ومادياً، ويساهم في إنجاز الأهداف الأخرى التي تحسّن مستويات الحياة المختلفة.
ولتحقيق هذه المبادرة، نحتاج إلى جهة رسمية منبثقة عن الجهات جميعها المعنية والمساهمة، لتستقطب العقول وتعمل على تأسيسها للمراحل البنائية القادمة، فترعاها وتدرس إمكاناتها وتدرّبها وتؤهلها وتوظفها في سوق العمل، وتتابع ابتكاراتها وإنتاجها ومدى التطابقية مع المتطلبات والاحتياجات وإنجازات الأهداف القريبة والبعيدة، ومدى صلاحيتها للمنهجية الإستراتيجية الحضارية المستدامة.
إننا شعب يمتلك الطاقات والقدرات الاستثنائية التي حيّرت علم النفس بانتصاراتها، ولذلك، عندما ننظم هذه الطاقات بطريقة إنتاجية أفضل نكون قد حطّمنا بقوة أكبر كلّ حصار وظلام وإرهاب.