العمل الاستثماري الرياضي.. واقع مرّ ومستقبل يحتاج إلى تحرك جدي الأندية تعتمد على الحلول المؤقتة والمشاكل المالية مستمرة حتى إشعار أخر
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
تحديث لوائح وقوانين العمل الرياضي بات ضرورة ملحة للرياضة من عدة اتجاهات، وهذه التحديثات ستساهم بلا شك بتكوين هيكلية رياضية متينة وصولاً إلى عمل رياضي كامل متكامل دون أي معوقات أو عقبات وعثرات في سبيل الارتقاء بالعمل الرياضي وتطوير كل الألعاب الرياضية وتطوير المنشآت الرياضية وتحديثها وإنشاء المزيد منها.
ونحن نلاحظ أن الرياضة في الوقت الحالي تعيش زمن اللا هواية واللا احتراف وهذا أدى إلى ترهل العمل الرياضي وتراجع المستوى الفني فضلاً عن هجرة الخبرات والمواهب إلى مقاصد أخرى بعد أن فقدوا الأمل بالرياضة وتطورها.
وإذا عدنا إلى مفهوم الرياضة الاحترافية فإننا نجدها تدخل في كل مجالات الحياة على اختلافها وتتداخل معها في جزئيات كثيرة وتساهم بتنشيط السياحة والصناعة والتجارة وتساهم بالقضاء على البطالة من خلال تشغيلها للكوادر الاختصاصية واللاعبين وغيرهم من المهن الأخرى التي ترتبط بعملها مع الرياضة، كما تساهم في احتواء الجيل حتى لا يتسرب إلى الشوارع ويتجه نحو هوايات غير صحية.
لذلك عندما نقول إن الرياضة اقتصاد فلأنها تساهم بدعم الاقتصاد الوطني من خلال العمل الاستثماري الصحيح ومن خلال جذب المستثمرين والمعلنين وشركات التسويق والمصانع التي تعني بالمستلزمات الرياضية وتجهيزاتها، وإذا كانت الأخطاء المرتكبة في بعض الأعمال الاستثمارية قد شوهت بعض جوانب العمل الاقتصادي الرياضي فهذا لا يعني أن نتوقف عن هذه المشاريع، بل على العكس علينا تصحيح المسار ومراجعة الأخطاء ودراسة الاستثمار بشكل سليم وأسلوب يعود على الرياضة بالنفع، فالرياضة ليست بعيدة عن مفاعيل العمل التجاري والصناعي والسياحي.
وإذا نظرنا إلى الدول المتقدمة رياضياً لوجدنا أن ما ينتج عن الرياضة يدخل في ميزانيات الدول وتعتبر هذه الموارد المالية من أهم مصادر الدخل القومي، فالرياضة تساهم بشكل مباشر في دعم كل المشاريع على اختلاف اختصاصاتها، لذلك فالعلاقة الصحيحة المترابطة والمحمية بالقانون بين الرياضة والمال تجعل من الرياضة تجارة وصناعة وسياحة واقتصاد مزدهر.
والمثال الأقرب لنا دول الخليج التي كانت الرياضة فيها قبل عقدين أو ثلاثة تحبو واليوم تحولت الرياضة إلى شريك مهم وفاعل في المجتمع، فباتت كرة القدم تستقطب مشاهير كرة القدم من لاعبين ومدربين، وهذا بدوره حرّك شركات الإعلان والتسويق والشركات التجارية والصناعية والسياحية التي باتت تستقطب الوفود السياحية لرؤية نجوم ومشاهير كرة القدم على أرض الواقع، كما أصبحت الرياضة مشغل رئيس للعمالة من خلال بناء الملاعب والصالات والعمل على صيانتها الدورية وهذا ما يجعل نسب البطالة في هذه الدول هامشياً وفي بعض الدول معدوماً.
السؤال الآن: كيف نحول رياضتنا لتكون شريكاً فاعلاً، وكيف نجعلها منتجة وليست مستهلكة تعتمد على مواردها المالية؟وكيف نجعل النمو الرياضي يساهم في التطور الرياضي والتطور العام ليكون تأثيره ايجابياً على الرياضيين من نواحي النمو والتطور والازدهار؟
المدخل الأول هو استثماري بحت، فالدخول في الاستثمار الرياضي الصحيح بحاجة إلى شروط دولية وعالمية ولتتحقق هذه الشروط لابد من بعض التشريعات الضرورية التي تجعل المستثمرين يتشجعون لدخول المنافسة الرياضية من أوسع الأبواب، ونحن هنا لا نقصد الاستثمار المتعارف عليه من صالات وملاعب ومطاعم ومسابح، فهذا استثمار ضعيف وهش لا يسمن ولا يغني من جوع، إنما نقصد هنا بالاستثمار القوي والكبير عبر مشاريع التسويق والإعلان والرعاية من خلال شركات عالمية متخصصة ترعى البطولات وتنقل المباريات، وهناك مشاريع استثمارية ضخمة أخرى يمكن إن تم طرحها بالشكل الصحيح فإنها ستعود على رياضتنا بالنفع الكبير، ومن هذه الاستثمارات المدن الرياضية والملاعب الكبيرة.
هذه المدن والملاعب لو تم استثمارها بشكل صحيح فإنها ستدر على الرياضة أموالاً ضخمة وستجعل الاتحاد الرياضي العام من أغنى المؤسسات، وبالتالي ستعتمد الرياضة على مواردها من خلال الاكتفاء الذاتي دون انتظار الدعم والتمويل والداعمين والمحبين وما شابه ذلك، وسيساهم أيضاً بتحريك ودعم المنشآت السياحية والحركة التجارية بشكل فاعل وايجابي.
النقطة الأهم في هذا الطرح والتي تساعد على توفير مناخ استثماري جيد أن بلادنا تعتبر اليوم بيئة استثمارية مناسبة بمناخ ملائم لكل المستثمرين العرب والأجانب بعد سنوات الأزمة، وما علينا إلا التفكير بمشاريع مناسبة وطرحها للاستثمار عبر شركات اختصاصية لنحصل على الفائدة الكاملة من هذا الاستثمار.
ملعب العباسيين اليوم في وضع لا يحسد عليه وعملية إعادة تجهيزه وتعميره يحتاج إلى مبالغ طائلة قد لا تكون متوفرة أو هي أكبر من قدرة الاتحاد الرياضي العام، لذلك فإن وضع هذا الملعب في الاستثمار حل مناسب بدل أن يبقى على وضعه الحالي سنوات حتى يتم تأمين المال اللازم لبث الروح فيه من جديد.
الملعب مهيأ ليكون أفضل من ذي قبل بمراحل كثيرة، والمشروع الاستثماري يمكن أن يستغل كل مساحات الملعب من خلال كراج تحت الأرض ومرافق جيدة واستراحات وأبنية تجارية متعددة حول الملعب من مول وفندق ومشفى رياضي تخصصي وغير ذلك، هذه الأمور الاستثمارية تحمل تكلفة الملعب من ناحية الانشاء والصيانة المستقبلية وستمنح الرياضة الكثير من المال الوفير.
موضوع التوجه اليوم نحو الملاعب أمر حيوي وضروري، فكرتنا على سبيل المثال تفتقر إلى الملاعب الجيدة سواء في المسابقات المحلية أو في المباريات الخارجية ولو تم رفع الحظر عن ملاعبنا فأين سنستقبل الفرق والمنتخبات، كما أن وجود فندق جيد إلى جانب ملعب جيد ينهي مشاكل رياضية كثيرة وينهي أزمة البحث عن إقامة الفرق وتكاليفها الباهظة وخصوصاً مع قلة عدد الفنادق التي تستوعب الرياضة في حال إقامة بطولات او تصفيات وما شابه ذلك وهذا ليس في كرة القدم وحدها بل بكل الألعاب الرياضية الأخرى.
إذا بدأنا اليوم بالتخطيط لهذه المشاريع فإننا سنحصل على المراد مستقبلاً، ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وإذا بقينا على حالنا فسنخسر كل شيء دفعة واحدة.
بكل الأحوال فإن رياضتنا تحتاج إلى المال في كل مشاريعها التنموية ومشاريع البناء والتطوير وغير ذلك ودون المال فستبقى رياضتنا مكانك سر وسنصل إلى أدنى المراتب بكل الألعاب، وهذا أمر غير سار وعلينا البحث عن مشاريع استثمارية وعن مصادر جديدة للدخل لتتمكن رياضتنا من تلبية احتياجاتها الضرورية على أقل تقدير.
هذه المشاريع وغيرها تحتاج إلى بعض القوانين والتشريعات التي تيسر العمل وتطلق اليد بعيداً عن البيروقراطية المقيتة، والكثير من القوانين الرياضية باتت تحتاج إلى إعادة دراسة وتطوير وتحديث لتستطيع مواكبة التطور الحاصل ولو في دول الجوار على الأقل.
لذلك فالاستثمارات النوعية الكبيرة تحتاج إلى الكثير من التسهيلات والتيسير حتى يدخل المستثمرون بأريحية تامة دون أن تواجههم العقبات المفاجئة وغير المنتظرة، ولا بد من اختصار الموافقات اختصاراً للوقت والتعقيد وهدر المال.
أما المشاريع الاستثمارية الصغيرة على مستوى الأندية من صالات أفراح ومطاعم ومسابح وغير ذلك فهي تحتاج إلى حلول سريعة مع التطور الكبير في أسعار السوق، فالمستثمر ما زال متمسكاً بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وأي عقد هذا ينفرد به المستثمر فيدفع بالسعر المتفق عليه سابقاً ويتناسى الغلاء الفاحش في السوق!
العجيب أن كل المستثمرين رفعوا أسعارهم للمستهلكين ولكنهم تمسكوا بقيمة العقود دون أن يرفعوا من قيمة العقد إلا القليل القليل ما دام القانون يحميهم، وهذا الموضوع بحاجة إلى حل فموارد الأندية في الوقت الحالي باتت ضعيفة جداً أمام ما نشاهده من ارتفاع ثمن التجهيزات والأدوات الرياضية، لذلك وجدنا أن جميع أنديتنا تعاني من الأزمات المالية وتلجأ إلى المحبين والداعمين ومن في حكمهم لتكون قادرة على الصرف ولو بالحد الأدنى، والاستجداء الدائم من الداعمين ليس حلاً وهو مؤقت، وكم وجدنا كيف أن الداعمين هربوا من الأندية الرياضية لأن نفقات هذه الأندية أصبحت كبيرة وفوق مستواهم وترهقهم بالدفع الدائم.
الأندية عبارة عن مؤسسات ومن الطبيعي أن تكون مؤسسات ربحية منتجة وليست مستهلكة، لذلك لا بد من إيجاد حلول بدعم من المكتب التنفيذي لتصحيح واقع الاستثمار الحالي، وحلول أخرى لزيادة الدخل المالي، وهذا الأمر بحاجة إلى استراتيجية طويلة المدى وخطة مالية ومنهجية عمل صحيحة، ولا عيب في الاستعانة بالشركات المختصة في هذا المجال والاستعانة أيضاً بشركات التسويق، فالخبرة العملية توفر على الأندية الكثير من الجهد والمال والوقت، وعلينا استغلال حب الناس للرياضة لجذبهم نحو مواقعها ليس كداعمين إنما كشركاء فاعلين.
المتابع للحركة الرياضية يجد أن ما يجري في الأندية عبارة عن قرارات غير مضمونة العواقب أو الاستمرارية، والكثير من الأندية مهددة بالإفلاس والعجز التام، ونلاحظ أنه في الشهرين الماضيين تم تغيير إدارات أندية الفتوة والكرامة والوثبة والطليعة وتشرين وأهلي حلب والحرية وحطين، وكل ذلك بسبب العجز المالي، والمؤسف أن بعض الإدارات تغيرت أكثر من مرة وهناك بوادر لاستقالات هنا وهناك كما حدث لنادي الحرية عندما استقال رئيس النادي، وكما نرى فإن الصعوبات التي تواجه الأندية كبيرة وكما علمنا فإن لاعبي الطليعة على سبيل المثال توقفوا عن التمارين لعدم التزام إدارة النادي بوعودها المالية، وسمعنا عن صعوبات في بعض الأندية وتذمر من مدربيها ولاعبيها وتهديد بالتوقف عن التمارين إن لم تستجب هذه الأندية للمطالب المالية وما زالت هذه القصص طي الكتمان وضمن الحدود ولم تظهر بعض للعلن.
كل الإجراءات المتخذة في الأندية هي إجراءات اسعافية مؤقتة وليست حلولاً، لذلك لا بد من البحث عن الحلول المجدية التي تجعل الأندية قادرة على القيام بواجباتها الرياضية، والحلول تكمن في معالجة الاستثمار بشكل جدي وتوظيف القانون لينصف هذه الأندية من جشع بعض المستثمرين، وتكمن أيضاً في البحث عن مداخيل إضافية عبر المشاريع الصغيرة التي يمكن أن تنعش خزائن الأندية، والحل يكمن بتخصيص الأندية بألعاب قادرة على تحمل نفقاتها وعلى تطويرها، فمن المستحيل اليوم تكليف أي ناد مهما بلغ بأكثر من ثلاثة ألعاب أو أربعة على الأكثر، والمفترض أن نبحث بشكل جدي عن توزيع عادل للألعاب، فعندما نجح نادي الثورة (مثلاً) بكرة السلة فلأنه متخصص بهذه اللعبة وهو خبير بها يملك إمكانية وجودها وتطويرها وقادر على تغطية نفقاتها ولو أنه يمارس غيرها من الألعاب لما وجدناها ناشطة لأن النادي غير قادر على رعايتها.
من الضروري البحث في هذه المسائل وحل كل القضايا العالقة بالسرعة الممكنة حتى نوقف التدهور الحاصل لرياضتنا.